زفرة ..

لم أكبر أبدًا، أنا الطفلة إياها الغريبة عن عالمك..

أنا لا أكتب لأن قيمتي مهددة برضاك ..

لا

لا أبدًا

أنا أكتب الآن لان شعوري بذاتي وحيدة منذ القدم.

ولا بد أن أكتب لأجد وجه الكلام يقابلني على طاولة تشاركني وجودي.

أنا أكتب لملئ حيز من الفراغ، أراهن على أن الكلمات ذوات تشغله.

أنا أكتب لتنتهي بك زفرات وتتشكل بعدك وحدة تليق.

أنا أكتب لتتوارى الأيام بذكريات إثر فقاقيع أنت إحداها.

أنا أكتب لتموت اللحظة محتفظة برائحتها، بفَناءِ مصيرها القصير وبقاء إثرها.

أنا أكتب لقلبي ولفستانه المزركش وركضه اللعوب وبهجته الساذجة.

أنا أكتب ليتخللني الهواء ويتصالح داخلي أطراف النزاع.

أنا أكتب لتطيب القهوة مع صباحي والسهر في مسائي

أنا أكتب كي لا تكون، وكي لا يشاركني عدا مقعد اعتدت فراغه.

أنا أكتب لتفاصيل عديدة ودقيقة تصفو بي، وتزداد وتزداد .

أنا أكتب لي، وليوم بي، ولعهد علي، ولسلام فيّ

حديث مرآة ..

لم أقرر تلك الكتابة في فسحة من الشعور، كما اعتدتُ أن أندلق منفوهة صناعة الوقت والتروي معًا في كتابة أنويها لك، كانت الحاجة للبوح أقوى من انتظار المساء وانفعال الانفلات على منحدر السطر الممتع، وحيدة في مدينة حبري الذي هيئ كل الهياكل لخدمتك تحت ضغط فكيّ البوح الذي لم ينتظر.
علمتني المواقف الكتابية أن كل حاجة للبوح تنتظر جاهزية تخصها، اشتعال يحتكرها في مأمن الهدوء الذي لا تشتد فيه قبضته إلا على راحة الفراغ القاضي بالتأمل الذي يعْلقْ، وأرسمه وأخطط له قبل الصراع مع ما يزدحم، أو تلبُّك ما استعسر اهداره في لحظة السجن والقيد، أو تطاير ما يكون ثورانًا شعوريًا استفز الحزن وحدته. رغم أني أعود لسحب الوشاح على كتفي ما بين حين وآخر، كمن يعيد للحظة التعقل بمرورها المسجل، أناقض نفسي بنفسي تحت التأثير.

افتني ! افتني في أمر ما تعض عليه شفاه الكلام إثر نبضات تُثبتْ لقفصي الصدري هشاشته في الاحتواء أو التعبير عن فكرة التيه في غاباتك المتعاقبة!
عن حراكي الذي يسترعي تلمس أقدامه وتحسس قواها بعد أعوام المكوث في فصل حب واحد.

اللاجئون في الحب حيرى لحظات وطرق ، في كل درب تضطهدهم كلمات مقيدة وحرة على سواء الشعور ومظانه، يبني لهم وسع الشوارع الرئيسة وهم الرؤية البيضاء الذي يضيع أمنها لِـ نصاعة مفادها القاطع.
لن نختلف ؛ فقد يكون أمر هذا التفصيل خاص بشخصيتي، بغرابتي، أو بتوقيت البوح والانفعال معًا !
أممم ، ما رأيك في إذعان الصمت الذكي؟
ما عاد للصمت لغته الممتدة بأبعاد الخيال والحوار وطيب الأعذار وبلاغة الامساك وفن الانسكاب، ما عاد للصمت جوهره الكلامي الممتنع ذا الدلالة، الصمت بات اليد المبتورة التي تطلي جدار الرطوبة بدهان الحلم الضائع بين اللاشيء والعفن الطاغي رائحته. أو أن الأمر سيان ، مجان، و تحدي باق ما بقي القلب في تحديقه والحب في شغبه؟
وإلى جانب أني أدرك أن التحذير دومًا ما كان يختص بالثرثرة، والثرثرة فقط إلى أنهم عندما زرعوا بذور هذا اللكنة في طبعي لم يعلموني أن الكلام له مصادر عدة، فاللغة تحملتْ بشكل صريح وصفهم ذا الفعل المشين، ولم يخبروني أن الأعين والقلوب قد تثرثر، بل وقد تسهب وتحكي ما لا يقال بالشفتين.القلوب أيضًا تفكر، تقرر، وتموت أجزاؤها وقد تقتل بلا قاتل فعلي .. أتعلم هذا؟ ، لكن ما قد أتمعن في حقيقته الآن هو هل للقلب عقل؟
سألت مرة فتاة المرآه !
فقالت : “أدركتُ أن له جنون فهل نؤمن بالضد على سبيل الإيمان بالفعل؟ وهل الحب إلى هذه الدرجة منفلت من معناه النقي إثر تداخله مع مشاعر أخرى وآثار تطغى لتهب للحب صفة لم يكن بالغها، ودرجة لم يكن ليعتليها لولا تعريته الصريحة في أنه أصبح بليدًا، مرهون بالشعور المجدد في أواصر رؤياه وتجليات خلاياه.
قد نصف القلب بالنزق أحيانًا في استشعاره، في إفراطه، في تورطه، القلب طفل، ردة فعل ليس لنا محور تحكم في طوفانها ولا انجذابها لإحدى الجهات التي قد تميل نحوها، وقد استحسنُ وصفه بالدائخ دومًا وليس بالكائن المستوطن كما تصفين أيتها الحقيقية.”
رغم هذا وذاك أنا لم أكتبك بعد، لم أكتبك كما الحالة الحرجة التي يرتجف بها قلبي ويبكي، والذي يقف على دكة ضيقة مسنود بقدم وحيد والتصاق ثابت، تحسسُ وجهي لبلل النقطة الزرقاء حوّل أمر الرعاف المنفجر إلى حبر ليل يستعيد معي قوى صمته ووجع مرضك .. على كتفي الذي خار عن حراكٍ وحملٍ واستعادة وشاحٍ سقط عنه.

يقال في الهدوء تكمن القوة، وأنا مغلوبة بتسرع مد إصبعه لمفتاح الشعور وكتب.

مغاليق كلم ..

بعثتُ مرة على قارب من ورق أحاديث ساخنة، قصدت اغراقها عمدًا، قلّبت حمّرة الصرخة بين موجتين وعلى نفس السطح العائم بثثتُ للـ تنهيدة طاقة سيّرت الحبر بقعة مذابة ،صعد الدخان يومها مرئيًا وعلِق ذلك الغرق في عيني ولفظت أنفاسها الورقة والبقعة بقيت رثاءً مصبوغ ، عائم ، يبحث السطح له عن صوت.

خمنتُ وقتها أن صاعقة ذلك الفصل ما كانت إلا وصمة الصوت الذي التقطته قطرة المطر التي صافحت البحر ذلك الموسم الفاصل والبارد.

أحاول ألا أكون حزينة، أنفض صيف الشعور وأعقد مع الشاي والكعك و النباتات صفقة ملهمة، أحاور أعين القطط وأصوات الطيور وساقية الصبح. الكتب عادة تبعث على الحزن إلا أنها تمد بنوع جميل من الحياة، تلون أحزانك .. نعم تلون الحزن .. هذا التعبير مناسب جدًا .

أحاول أن لا أثير في الكلام مِبضعه، فلا اصبع تكتب ألمه ولا عين تماشي فيه ملحه، أمنح للوضع هزهزة استرخاء ولا أناول اللغة مشاعري إلا وهي تحت سنديانة خضراء، كل ملامح اللحظات في غفوتها تحيي عشية باردة، فكم أيام العمر إن جاءت بتاريخها حسبة ومحاسبة ؟

المواسم أيضًا تفرز نوعًا من الملح.. أفكر بشكل قد يكون مدعاة للقلق .. ما علاقة أحزاننا بالمواسم؟

عقلي يضعني أحيانًا أمام أسئلة لها أعين ذاهلة .. التفاصيل تعني التعب غير أنها في مكان آخر تعني الرحمة. هذا ما توصلت له بعد الرقة التي وضعتني على سطرها هي اللغة وحكاية التعبير.

حبسة الشعور وفورة الحزن تترافقان عادةً، إلا أن لها أذان صاغية تسكن على رف الكلام وإن كان الصمت ملاذ، أو هندمة أو أدب مع الصبر ، حتى سكون البحة في مجراها تلافيف سطور، عجين كتب كما اسلفت .. قرصها الناضج وجه أكلته السنون .. كل تلك السنين والأعمار والقصص خبز محترق.

لا حزن .. الصبر يفرد قواه، يتآكل على ظهر يشد ساعده كلما غلب الثقل هرم اليوم الطويل،والساعة المقبلة.

كمن يهزه غسق حَلِكَ لانتهاء قصة، أو بداية حرب أو موت أم أو ولادة طفل مريض، الحزن قد ينخفض منسوبة بالاعتياد .. أحاول أن استسلم للفرح بمعناه الواسع الذي لا يوافق شغف أجنحته ضوء اللحظات .. وأنكر على أمي ملاحظة جارتها المبتذلة التي قذفتها على صدرها بأن بريق الحزن علامتي الفارقة التي اعتادتها، سأحاول أن لا أكون من أولئك الخافتون الراسخة مواجعهم في تحايا الصمت وحبسة الشعور وثورة المعنى.

لطيفة هيف

!

….. ناهيك عن كل هذا الـ ماوراء الصمت، وهذه الهيئة المتضخمة من الفراغ .. ورغم الصمت .. ولغاته، وفيافيه ومسافاته المتعاقبة بامتداد، وخضوعه المتزن الفسيح في الصدور وظنونه وشاماته وفرقعة أصابعه … الوصول هناك لا صوت له، لا نبرة لكل ما يحمله في شخوص عينيه المتحدثة المحتدة ولا في نبضه العالق بالمعنى، المتأصل بسماواته الشاعرة، الفار من بين أصابعها آخر حروف للكلام، أعترف أنه ومنذ غرق ما، علِق في حنجرة الحديث سحابة سؤال لم تجيد الرقة حمله على كتف مطر، سقيا تمنح ما هو ماءُ، سقيًا قد لا يكون لها ميناء.
القصص لا تنوي العبور فقط، إنها عطشى، تلح على مطرقة الباب ، وعلى ثلاثية أسمائنا في دجى أحداثها،ومنعطفات عجائبها المارة، المرتهنة دوائرُها بدوائرِها، إننا أبطال الدهشة المدهوشين، إننا فائض الصمت الحي على جثث لا دفن لها بعد.
مآلات وتأملات وبلاغة تسبر غور القول فلا يقال، أنت والصوت الهاذر من أغنية قديمة، كعنوان ثابت، وشاهد عتيق، وتحية مؤمنة تشفع للولوج علقته المسالمة، متى نكبر فيكون للحديث سنه ؟ وهل تؤتي المواسم حصادها بلا مطر ؟ 
هذه الليلة ليلة مختصة فيها ساعة هدوء كسرتْ ضجيج الصمت ليتصالح شيء ما .. انعكس تبعًا لذلك وجه كامل ! وملامح متحدثة ! ورغم أني لم أسمع ما صدر إلا أن إرهاف السمع هذا كوّن دفئً أطرب الظن وشيد الصفحة، أنزف الحبر كصوت مرتد، وضخ الهمس دمًا أزرق .. ثار في وجه اللغة ! 
اللغة الحاضنة الأكبر، المرتع المرن والسلام الأوفى.

تجرد

كيف أدس الرسائل عنك، كيف أشتت الصورة التي تحدق طويلًا وإلى الأبد، كيف أبتر السطر عن كتف الكلام بلا كلمات مثقلة بهروبها، بتعبها الذي يندى له جبين الاشتياق كتابة وصمت في آن، صمت ينزف بين حنايا اللحظة المدونة والخطوة معًا، بلا فرق في صنع اللهفات المكتومة والعبارات المحمومة ؟

كم سيبلغ عمر الحب لو قِيس بالكلمات التي تنمو له ولا تُقال ؟

كم لثمة ستُرتكب في مشاهد التوق الذاهل في أعين خُلقت للإصغاء والقلق وتحري طعنة النطق ؟

وإلى أين قد يسير بنا طريق هذا الانصات وقت الشروع في تصاعده حياة لكلام، لذرف أدمع من الخلاص تتنفس التسلق ولا تصعده.

لم أعد صديقة للكتابة ولا للشعر ولا للقراءة القصصية منذ اكتمل الحزن كتابًا وحديقة وقهوة وصار من الأولى تلافي الحديث عن القلوب المتورمة تلك المقرون نبضها بدم آخر في البعيد.

حتى في تفادي عوالم الكتب تلك التي ما عُدتُ اسمع لتنافسها صوت الآخذ والمأخوذ، كل شيء في توقفه حدث، ذاب منه سلام في اعتبارات كنّا نراها في الحب وأصبحت طواعية في اللغة، تجاذب وتضاد لا ينجو منه بوح … وربما أنا وحدي من يشعر بهذا .. أو بالأحرى من أصبح فارق الدهشة بين انقساماته واختلاف جهاته ودمائه التي ما عاد للنداء حياة على صريحها أو ضريحها.

بقي لي الخشوع والهدوء، والنوم الضالع حلمه .. بقي كالتيه في زوبعة من السكون هو نفسه رسمٌ يتيح فسح الكلام على مهاجع تُكتب بيد الهواء على لوحة من التراض الماحي لهذره .. وعي الصباح، أثاث النور في البقاء والذكرى وتفاصيل اللقاء الأخير وموعد الانصات القادم من الحلم نفسه والصمت نفسه والنبض المُجهِد نفسه.

وبين هذا وذاك قصة نكتبها من دهشة التواري وحولقة التعلّق وتعاويذ العجز. يتلوها قرط المساءات البراق على أُذن العطر الجريء على الياقة الأنيقة والعزف اللطيف وخفت الأضواء، كما فصل الليلة الأولى للنبض والفقرة الأخيرة من رسالتك الفواحة والمتحلقة بذراع الرد، التي هي بمثابة ترنيمة نوافذ تمنح الصدور حياة الماء، والخضرة، وغَدو الطيور وألفة النور المخلد في الشعور، شجرة تكررت الأرجيح على أغصانها تاريخ فصول وربيع روح .

قصة : غربة

كحياد الصمت ، كتوقف الكلام ، هو معهم وليس معهم ، فكان على العموم لايبدِ رأيه ، صوته ، يبقى بعيداً دائمًا بذهنه المملوء باهتمامات أخرى ، وعندما يصل الأمر إلى أن لا يسمعهم أولئك الحضور لدخوله قنينته الخاصة من اللامبالاة هو يجد نفسه ، بتمعن أظافر يديه ورقّة جلدها المنكمشة، الناحل عظمها ، المرتجفة بعض الشيء، يلمح فنجان قهوة بجانبه، وكأنه يخصه، لا يتذكر من قدمه له ولا متى كان هذا، يتمعن وجوههم التي يغيب صوتها بعيداً، يتفقد خروجهم بنظراته المستفهمه، يرغب بمد رجليّه المثنية تحته منذ زمن يبدو طويل له، يعيد ترتيب وبرّ ما تحت يده، ويشير لشخص مألوف له بأنه يريد أن يستلقي على مرقده، يساعده ذلك الشخص ، يسترضيه في شرب قهوته التي خفت سخونتها، يرفض، فمنطقة أسفل الظهر تكاد تنفجر من ألم أحس به، ويريد إسكاته فوراً، يعود لتلك الفتحات الممتدُ لها سقف أبيض منها ما هو مضاء ومنها ما هو منطفئ، تتوزع بشكل منتظم يحقق للالتفافات فنّها المدروس، يشتهي ماءً، يمد يده ويحاول الجلوس عبثًا، فيأتي ذلك الشخص المألوف ليساعده، يتذكره !
إنه ابنه الذي منعه من الخروج للمسجد واقترح عليه أن يصليان معاً في البيت .
” أنت ؟! مانع الخير ؟”
– أنا حبيبك ، تذكرتني !؟
– أحبائي فيهم خير، وأنت لا تبدو كذلك .
يشرب الماء ويلمّح برغبة الجلوس، يعدلُ له متكأه ويكثر له وسائدٌا تعدل ظهره، يبادر في سكب القهوة له من جديد وتقديم قطعة خبز هشة، فيشير له بأنه فعلاً جائع، فيقصد طاولة جانبية ويحضر له إناءً مغطى، ويبدأ في اطعامه، يغمس له قطع الخبر في شربة العدس ويطعمه بشكل هادئ جداً. يبدو وديع جداً، ثم يأكل بشراهة ينتثر لها ريقه، فيحافظ على اعتدال أمره، بمناديل ورقية يمسح بها عبث الفائض ورذاذ الزوائد .
يشير بالتوقف، ويفصح برغبته الملحّة لدورة المياة، ينخفض الابن ناحية ابيه فيتعلق بعنقه كطفل، في حركة تظهر اعتياده هذا التعلق .
يطلب مرآته الخاصة، فسرعة ما يلمحه في مرآيا المغاسل لا يكفيه لتأمل وجهه، يعود به إلى سريره، ويناوله مرآته .
يشير إلى ألم في قدمه، يبادر الابن بفحصها وترطيبها .
– من أنت ؟
– حبيبك .
– …..
( يحاول الأب أن يتذكر، تغوص ملامحه في عالم من الحدة، ثم يتجاهل كل شيء ويشير برغبته في النوم ) .
وماهي إلا دقائق ويشير له برغبة بالجلوس وشرب القهوة وسماع صوت ( التلفاز) وأنغامه .
ويحين وقت الصلاة فيعده ابنه للصلاة ويصلي معه .
ينتهيان .
– من أنت ؟
– حبيبك .
يرفع الأب يديه علامة احتضان، ويحتضنه .

م

الحب العالق في الكتب.

لم أعد أقرؤك كم يجب، وما عدتَ بالعذوبة إياها التي كانت تقدمك لي كأس لغة عذب ، الأمر مثقل بشهقات عدّة، بمواقف مرتهنة بالتعددية، وقلب عن الهوى هوى، وحسٌ احتج التبدل، ناضل عن وطن القصيد بابن للقصيد.

أصبح من الصعوبة أن تلين في جملة الآن، أن تنثني في وزن، أو حتى ضمن مفارقة بسيطة تحكيها قصة قصيرة، وفي آخر الأمر يشتد بك نصًا ميتًا، جوارحًا محلقة، وعقدة تتسرب من بين اشتدادها بعقةً مالحة، بعبارة أوجع .. تعاود الانسكاب مادة جارحة في نسيج ذاكرة خشن، متحررًا في مقاصد حادةٍ تكتبها، تتشكلها، وبالاستئناف الأشد وعورة بتّ كالرائحة، ترش اللغة نجماتك بلا عبير يأخذ بالعاطفة، أو حتى بيد الذكرى التائهة في عطر، فقط ببريق عين في ارتعاشة فقد .

لم أعد أقرؤك كما يجب، فالامتلأ أكثرانفعالًا، والتمرد أكثر انهزامية ، ولَم يُعد الاحتراز أكثر جوانب الإحاطة ، فبت لا أغار، لا أُحِب ، لا أشتاق ، وبوضوح تتوه في معالمي تقديرات التخلق جميعها، الكينونة، الجدوى، والتجربة التي أعلم أنها أكثر ما يؤلمك في ذلك الموضع المكتوب الذي يُزهق في الورقة صدر بياضها، حين الوقف وشدة التبيان والتعري الأدق في تفاصيل اللاحب.

لم أعد أقرؤك كم يجب ، كما أنت واضح دائمًا ، ومجاز في أحيان أكثر، أنت منذ فجوة التقلص وأنا أمام قضية للإذابة وكلانا مأهول بالنظر إلى ما هو بعيد وحافل بالعمق والتصوف .

لم أعد أقرؤك كما كنت تأتي ودفتا أذرعٍ مشرعة، أو كما لو كان فاصل المتابعة المزهو بالألوان والورود ذو جاذبية تدعو للابتهاج والعودة ، توقف الأمر وصنع منك في حديقته كتاب الصفحة الواحدة، والمتعة المبتورة، ما عادت القراءة تنصفك، وما عاد رصد الشواهد ينقذ في الغناء حتى صوته، اللحن في حشرجاته والكلمات على سجادة تتم صلاتها بصمت.

تراجع النص على لسان استنزاف مفرط ، وحل برد العبور الكبير والتأمل المصفر، حتى غطرسة الحواس في نهمها كافأته مفردات في خفوت ، همس ، غض ، صمت وصار من الكتابة أن تهدر ذاتك حبرًا في نص واتجاوز الصفحة.

أشياء ليست كالأشياء ..

الليل

يكبرالليل ، تكبر كلماته ، تتسع ، تناهز السفر في توجهاته ، توضب ما يكفي من الحقائب ، الذكريات ، الأحلام المؤجلة ، بديهيات السعادة التي تأتي رمادية .

الهوى

يجنّ الهوى ، يتوه عن أسمى ما قد يُذهب عن العينين النوم ، يجد نفسه وسط رمضاء قاحلة ، صفحات لا تجفف الحبر، أسطر لا تكتمل ، ورسائل لا تصل .

قصص

أسوار خشبية وقد تكون من حجارة أو ( أسمنت ) تمارس الجدية بصلابة ما كانته أو ما أحتوت ، غير ما تنحت به كل إحاطة لم يأخذ بألمها الخيال ، لتكون عالم بوهيمي لمن أراد أن يكون هو بطلها ، فيمتد بها أو ينهيها ، يكثرها أو يمزقها أرباً بمجرد صحو يقرره .

حذاء

فردة الكلام الجاهز ، الذي تلطم على جاهزيته فردة أخرى ، حيث لا يصل بالروح إلى أبعد ما هي عليه ، خطواته القديمة ، المغبرة تمضى على وجه ما نصمت عنه .

كلام

عبث النية التي تُسالم نفسها في سبيل ما تود ، ما تُفجّر ، بلسان يُسحب .. ليدوى بخرابه في ساحات ما يجب أن لا يُمس . الكلام سلاح ذو حدين .

الصباح

أنت بلا شيء ، بلا كلام ، بلا حذاء، بلا هوى ، وبلا ليلٍ يقتص لكل ذلك البياض الذي لا حافة له ، إنه الضوء عندما يكون رداءً وياقةً وقبعةً مبهرة ، إنه المسكن الذي يؤثثه شعورك بالحب بالشوق ، بأشياء لا تصلها مرواغات الحياة ومبطلاتها .

بُعـــد

‏على غرار ذلك الهبوب ، ها هي ملامحي تغادرني ، تتعلق في امتطاءك لذلك الغروب ، واتفاقك المسبق مع الحقائب والوصايا ونبرة التعلق المقطوع .

‏وعلى غرار ذلك ..

‏ما اشبه تلك المسافة بلكنة النهار المنطوي والسجية الليلية الموحشة في الأرق ، الرجفة القلبية المتدثرة دائمًا بيدي ، إزاء كل ذلك الصمت المتسلق إلى فمي .

‏وعلى غرار ذلك ..

‏ها أنت الراحل ، صاحب الإشارة الأخيرة في الطريق الضائع ، في الزمنين الغائمين بين حب وانتظار ، في الكلمات المشرعة التي تناشدك أمن حديثها ، حوارها ، همسها المنتشر بنكهته الحنونة ، بترفّعه في المعنى الحاضن لرائحتك ، المتدثر بحواس تبقيك واحدها المتهيئ ، مالئ فضاءتها الخمس ، الست ، السبع …

‏وعلى غرار ذلك ..

‏تتساقط بتلات من بين وداعك ووداعك ، تبكيها عينا جفافٍ ساقط الشجرةَ ظلها .. الساهي بها نظرٌ متوعر به ذهابك ، تلاشيك في الطرقات .

متى تعود ؟

‏وعلى غرار ذلك ..

‏تتوكأ الرجفة عصا اليوم الذي تعوده ، تفرَحه ، تفتح فيه يديّ وتهب الدفء راحتيكَ ونظرة منتصرة ، نظرةً مغلوب عليها حياة حلمها الجميل .

مستفز ..

مستفز .

فلا يتحدث عنك السلم في كونك مخلوق حرب إلا ببداية تتمثلُ لها فيّ .. مُدن نابضة وقصائد مبحرة ، وما هي إلا احتساء داكن البُن ّ حتى تصل إلى طرف الدوامة الغرائبية الغُرابية والتي يُؤخذ على نعيقها الذي لايسمعه غيري .

مستفز

تجرّ قدم الحب إلى حفرة غناءه ، وتنهي في حضرة نزارٍ والحب تلحين الوردة الأبقى ، ثم بقفزة واحدة ، تمضي إلى موعد آخر ، ورود أحلى ، والصّفير يملء فمك ، نفخ بتلات تنتثر، تذبل .

مستفز

تتجرع قهوة الصباح مثقلًا بالنوم والأسماء والبدايات السلمية ، تنهي خلافاتك بمجرد تهندم ترتدي له قميصًا مغايراً وعطراً مختلفًا ، وتحية حمراء طازجة .

مستفز

تتصالح كثيراً مع عِنّد الأيام ، وفضفضتها ، كأحد أفراد لائّتها القاسية ، أعلم أنك ترفع حاجبيك الآن تعجبًا ! ثم تتجاوز ما تقرأ بإمائة نافية ، صامتة ، ستترافق معها بوفاق يمحو الأثر .

مستفز

صرتُ أبحث عن أمان المعاني فيما تغفل عنه من أحاديث ، من لحظات لا تتوقف فيها كلماتك عن صنعي كما يجب ، امرأة خلف رجل ما زالت اتكاءة حذاءه اللامعة تمزق فستاني والعظمة لوقفته .

مستفز

بنبضي ، بحذري ، بتعرفي المجبول بحبك ، وما عدت أنا ، وما عدت حتى ببعضي ، جدني ! هات طفولتي من عينيك وغرقي في الـ ” أحبكِ ” في تحرير رقصتي وترك فستاني .

اكملْ ذهابك بين ما يقع في يدي .. واجرعْ مستفزاً كأس ما تقدم بدفعة واحدة بلا صوت ، بلا تذمر ، وبكل حِلم تعلّم من مذاقها .. أنك الراء الفارقة ، واللاء الفارضة ، تكونت ، وحبكت قصصاً كثيرة .

لطيفة