بعثتُ مرة على قارب من ورق أحاديث ساخنة، قصدت اغراقها عمدًا، قلّبت حمّرة الصرخة بين موجتين وعلى نفس السطح العائم بثثتُ للـ تنهيدة طاقة سيّرت الحبر بقعة مذابة ،صعد الدخان يومها مرئيًا وعلِق ذلك الغرق في عيني ولفظت أنفاسها الورقة والبقعة بقيت رثاءً مصبوغ ، عائم ، يبحث السطح له عن صوت.
خمنتُ وقتها أن صاعقة ذلك الفصل ما كانت إلا وصمة الصوت الذي التقطته قطرة المطر التي صافحت البحر ذلك الموسم الفاصل والبارد.
أحاول ألا أكون حزينة، أنفض صيف الشعور وأعقد مع الشاي والكعك و النباتات صفقة ملهمة، أحاور أعين القطط وأصوات الطيور وساقية الصبح. الكتب عادة تبعث على الحزن إلا أنها تمد بنوع جميل من الحياة، تلون أحزانك .. نعم تلون الحزن .. هذا التعبير مناسب جدًا .
أحاول أن لا أثير في الكلام مِبضعه، فلا اصبع تكتب ألمه ولا عين تماشي فيه ملحه، أمنح للوضع هزهزة استرخاء ولا أناول اللغة مشاعري إلا وهي تحت سنديانة خضراء، كل ملامح اللحظات في غفوتها تحيي عشية باردة، فكم أيام العمر إن جاءت بتاريخها حسبة ومحاسبة ؟
المواسم أيضًا تفرز نوعًا من الملح.. أفكر بشكل قد يكون مدعاة للقلق .. ما علاقة أحزاننا بالمواسم؟
عقلي يضعني أحيانًا أمام أسئلة لها أعين ذاهلة .. التفاصيل تعني التعب غير أنها في مكان آخر تعني الرحمة. هذا ما توصلت له بعد الرقة التي وضعتني على سطرها هي اللغة وحكاية التعبير.
حبسة الشعور وفورة الحزن تترافقان عادةً، إلا أن لها أذان صاغية تسكن على رف الكلام وإن كان الصمت ملاذ، أو هندمة أو أدب مع الصبر ، حتى سكون البحة في مجراها تلافيف سطور، عجين كتب كما اسلفت .. قرصها الناضج وجه أكلته السنون .. كل تلك السنين والأعمار والقصص خبز محترق.
لا حزن .. الصبر يفرد قواه، يتآكل على ظهر يشد ساعده كلما غلب الثقل هرم اليوم الطويل،والساعة المقبلة.
كمن يهزه غسق حَلِكَ لانتهاء قصة، أو بداية حرب أو موت أم أو ولادة طفل مريض، الحزن قد ينخفض منسوبة بالاعتياد .. أحاول أن استسلم للفرح بمعناه الواسع الذي لا يوافق شغف أجنحته ضوء اللحظات .. وأنكر على أمي ملاحظة جارتها المبتذلة التي قذفتها على صدرها بأن بريق الحزن علامتي الفارقة التي اعتادتها، سأحاول أن لا أكون من أولئك الخافتون الراسخة مواجعهم في تحايا الصمت وحبسة الشعور وثورة المعنى.
لطيفة هيف