“محضُ فرصة “

هزيج ، هطول ، صِحاف تهتز ، زلزلة أصوات ، انعدام رؤية ، ضيق عالم ، برد أقطاب ، و الأمر لم يعد يحتمل اقتعادًا على ذلك المصطب ذَا المظلة المعدنية ، و كل منتظريّ الحافلة على رجف و ساق ، اعتلوا ما خُصص للجلوس خشية البلل و البرد ، احتشدت الاجساد بوقوفٍ و اصبحت رؤوسنا كجمر اِنطفأ بغتة ماء ، تنبعثُ من افواهنا أبخرة تحكي تجمد كل شيء في حِراك وحيد هو ذلك التكاثف الدافئ التي تدفعه الجُمل المتبادلة و التحايا وبعض الاعتراضات فيخرج كوّم ضباب لا يلبث أن يتبدد ، في حينها كان قريباً مني إلى الدرجة التي ميزتُ فيها ” my. Burberry”تلك الرائحة الشبيهة برائحة ورق الكتب و الجديد منها بالأخص ، انها رائحة الطبيعة أولاً ، رائحة جذوعٍ مبتلة كان أبي يحضرها لمدفئته التي ينكفئ بقربها أيام الشتاء ، يأتي بها غضةً للتو انتزعها و شذبها وينتظر جفافها لشتاء قادم ، يُخزنها بحنان الجفاف الذي يمتص قرمزيتها بهدوء السنة و فصولها على جفاف شجرة ، لوهلة انقبض قلبي ، رعد اللحظات يُسكّر هدوءها ، و كتف ذلك الرجل يوقظ مناماتي ، يهز في غفوها وعي الحلم بعالمه ذاك البعيد ، تحت مظلة الأماني التي تأتي صدفةً و لفرصة واحدة ربما لتجمعنا بكل ألوان قد رأيناها مبحرين في شارع العاصمة الأول الأكثر بهاءً و بذخاً ، و الذي قد يأتي على ما يُفقِر وقار مرورنا الذي عبرناه قناعة قطع معافا لا يطمع في شيء ، حانات و مقاهي و لافتات ، مما لا يناسبنا رغم حاجته ، مما يتسع لكنه يُسلّم ، لم يبق على المصطبة مكان يسع لأقدام جديدة لاجئه ، حتى ركن تشبثي اصبح في زعزعةٍ و كفُّ ذلك الرجل لم يسند قامتي فحسب بل أسند في المطر ريه للأرض و أسند في الأرض وقوفها مُرتشفة !
“تأخرت الحافلة! ” صرخ البعض متسائلين في ضجر الأحوال و ارتفاع منسوب أغطس في خوفهم طوفانه ، الذي أغرق في النجدة ملامح ذلك الرجل شاطئاً هادئاً في عرض محيطاتي و العاصفة ، زورق وصوله إليّ كان من دفئ ذراعه الجاد في تجديف ما أُؤتمن عليه مسافةً لجزيرة نابضة ، قلبٌ في فسيح ما تاه رسوهُ مُحتضَنٌ مُرتِب ، شجرُ عطره و رمالُ ما إحتفى ، كان صباح الأرجوحة على مقعد الشمس ذات الغناء الذي يمضي ، يأخذ بعرض الشاطئ ما تمرّن عليه حنينٌ بدينٌ ، مُسائلةً آخذٌ بها في خوف الاسئلة رأس التعلّق والذي يحارب بـحربة الـ “من أنت ؟ ” و ” ماذا بعد؟” التي تعتمل و لا تخرج ؟
كانت معاطف ذلك الانتظار في أناقةٍ الأزرار المقطبة ؛ عدا معطفه الذي شرع في بردي دفء عطره و تشبث يدي ، و كأن ضياع رائحته المنبعثةُ منه تُعوُّضْ له بالإيجادٍ داخلي ، هو يخسر دفئًا و رائحة و أنا بالمقابل اكتسب ذاكرةً و أنفٌ أثخن في العطور و المعاطف اختلافها الشتوي ، إنجابي فراشة لا تشتاق لعداء النور !
احتفاظي بمنظر الماء المندفع على أرض الشارع لا يعني مغادرتي في جريانه ، بل كان التلاصق في ذلك يشرح فوضىً استكين لها لِـإبحاره بالمقابل عبري ، ألملمُ في ذات الإذابة شتات ما زُرعَ في أنفاسي و ينع ، أراقب أمواج ما يهدئ به خوف العابرين الذين تغمست سيقانهم أمامي بوحل المواجهة و ابتلوا ، أجمع أطراف الجُبةِ الواسعة و أعض شفاه التجاذب و لا أنظر إليه !
كل صباح كنت أراه فيه هو ورفقة الصعود للحافلة ،كانت تحاياه تنبئ بشيء كنت أغض طرف الاندفاع إليه كما يحلو للبعد والابتعاد أن ينجي ،إلى أن جاء حضنه على سبيل رصدّ من الصدف التي تعرف من أين تُستغل محضاً و تكون !

“الحب”

الحب : هو كائن جنسه من ظلٍ هوى .. فتماهى، عَقدَّ مع صفحة الشمس هدنة الدفئ و ارتشف معها سكبة النور و الصباح ، تصالح مع الفصول عدا خريفها الرابع ، تشارك مع الغيم ثقله فكان مطراً و أحيانًا كثيرةً رقصًا يندُّ به جبين الورد و التوق و قصة الصدفة الأولى ، الحب في اغلبه ماضي ، نتمرن ارتشافه كذكرى تجعد جبينها ، نعاوده ذكراً بقهوة ، بصباح ، بأنغام ، بخطوات تمشي على كتف أماكن مُبكاه ، و حنجرة فيروز الغاصة بالجبل و الشتاء و هوة الوادي و حنين قهوة المفرق ، و بعدك على بالي !#مرآيا 

“سراب”

استلابٌ يغذي حلق الماء في غمرةِ ما تُحدثهُ إشارةٌ لها في سنا السور إصبعاً خاشعًا ، تُنطق خريرالأيام و منبع الصبر ، كسلّم الكلام في قصة العمر ، في وحشيةِ ما طوته استدارة القدر ، في رشفات لرتبها لسع العطش ، حينما كُنتَ ذراع النجدة التي اسقت جفاف الهوةِ درب الهرب !

تأتي جزافًا عندما يقررك سكون الأشياء فتيل قنديل بارد ، بقايا رشفات من شاي ، أعقاب تبغ مصفرة ، فرجة باب منسية ، قَطعاً ساهياً ، وروائح طينٍ مبتل كان من جذع المطر أن رمى تعبه هطولاً مهولاً كهولاً ، على جبين تصفّد الخُبئ تهيؤات ، و كُنتَ في المنهل سراب .
تنظُرك أعين الغيم الذي سكن في دمعها اكتمال الشجر ، رغم ذ لك اللا شيء الذي تحضّره خالي اليدين و مر الثمر ، فلا يُمكَّن لأكف التذوق أن تهرع فيه بقطف يُنهض طعم ما زُرع و بملح ما لُفظ !

و أنك ما بين بين ، مسافة مرتهنة ، فلا تحضُّر من أجل أن تُعيّب في الغياب ترتيبك حدثاً تراكم صهيله بين الحنايا ، أو تغيب إلا من أجل أن تموت اللقاءات بين كلمتين و استدارة ، أنك بشكل عُجاب شبع الأيام في عطب ما يغذي !

كنت تقول : أنت ارهاصات الروح

و كنت اشذب وصفه ذاك بصمتي !

أتعقلُ المصائر ، أوناجي في القدر أشياء تأتي على ضؤلي و تضخمها ، انحازُ جانبًا عن الضجيج و أُراقبُ في النبض جنونه ، تاركةً له فنجان قهوتي ، و عينيك ، و احاديثٌ لا تنتهي !

واحة نخيل تظلل عطش المفارقة في وضح ذلك القيظ و ترآئيًا لما بعد تواريك .

أو لم تسأل فيك حطوط الفراشة على إصبع الشتاء الأبيض كم من ألوان ستسرق ، ستتخطفك فيه رقة المكوث و تلاشي الاندفاع  و كم أنت بها قائم فقط لِـوهج سيُرجِفُ فيك بعدًا لا يأتي إلا لتموت على حافته المعدنية ، بين أنقاض الأجنحة و روائح الاغتيالات الوردية .

أغنية الفقد لهذا الصباح موزونة بحذر سقوطها في ليل حلقي ، في صمتٍ شق طَرْفُ “اللاشيء” مبسمه خلواً من كل شيء ، عدا اتكأتِ الصوت على عكاز الكلمة الـمُلحنه كما هي واضحةُ (القتل ) في حربٍ تدعي جلب الحياة .

” نبسٌ ببنت شفة “

على الجانب الآخر من خد المساء، هناك قُبلة حية ، شفاه توق مبتلة ، رغم تناهيٍ يواري الضفة ! 

كل ما يتعبها هو أنها امرأة تكثر الجلوس امام المرآه ، تعرف ذاتها جيداً ، تروض غضبها دائماً ، تكسر في حدة الصمت ما يحرج الكلام ، تضع على رف أثقله تكالب وجوه مكتضة أكلت تجاعيدها كذبة العمر و تضخمتْ .

ما أن استقرت إصبع السيجار بين أناملها المرتعشة حتى احستْ بنشوة المزاج تعتدل حتى قبل أن تُشعلها ، لمح ذلك باشمئزاز ، نفث زفرته و في حرارة امتعاضها كان جنون اشتياقه ينحني لدقات ذلك القلب الحزين ، تكوم في هدوء و سكن بعينيه في انسلالٍ لما بين دخانها المتصاعد و ريق تفرزه شفتين اكتض دم البكاء في ارتعاشتيهما ، كانت شقية بما يفرضه العشق و وديعة بما يفرضه الاشتياق ، متمردة بما يفرضه الصمت ، مفروضة بما حتمه عمى الحب ، ملامحٌ أسرتهُ في نظرة تشرّدها التي كانت إلى مُدنه ! اصدر في فناء الصمت صوتًا كي تسترجع انصاتها و تعي حضوره ، عادتْ من البعيد الذي كانت تلملم منه حروف اسمها ، نداءات ذاكرتها ، التي ترامى بها البعد إلى ما قبل الفراق ، عادت مبللة تهرعُ كفها لِــخديِّ النظرة المصلوبة ، تُمسح ما تجمّد فيها من ذكرىً أمطرها غيم الافتقاد ، لم تعتد أن تبث ضعفها أمام أحد ، نهضت مصدرةً حراكًا ينعش ما بلله هدوء الساعة ، سألته بنبرة قافزة اتكأت على  فرك السيجار في منفضة ” اللاشيء” من حدث اللحظة المتورط !

هل أعدّ لك قهوة الوسط ، فهناك طبقٌ من قطع الكعك اعددته صباح هذا اليوم يستحق مرافقتها إلى اجواء خلوتك ؟ 

كانت جرأت النهار ذلك اليوم عالية في بث بخارٍ خجِل ، ندّ له زجاج النوافذ و اسطح المقاعد و الطاولة العريضة المتشبثة اقدامها ببطن الحديقة المطلة ، مُبتلٌ عالم ذلك المساءعلى إثر تكثف مائي ، مُحمّرٌ على سبيل وجنِ العابرين ، لم تثير الرياح في السكون غير زوبعة دواخله ، عصفتْ به ناحية كلام لم يقال ، لا تأتي له مناسبة الأخذ و العطاء على القيد الذي يُلزمه فيه الكلام  تبادُل محاوره ، كان دائماً على النحو الشاحذ المُلتثم بطرف حاجته ، التبادل  المعهود لنظرات تعي اللغة التي لا حروف لها ، فطالما كان عذب صمتها ماء حياة له ، و رأتْ فيه اخضرار الطريقين المتجاورين الفاصل بينهما حاجز اللاكلام بعد انهيار جسور الكلمات ذات هزة صوتية بلغ باللغة فيها حد الخراب و تركها لكنةَ قمم عالية لا ينحدر منها فصح شعور و لا تصافح أوردة ! 

لطيفة القحطاني 

“إنه هو … أنت “

‏شُدّه في نقطة فراغ .. ‏و تنعقد .. ‏لتفاوضك عيني على مضض .. ‏تفكك اشياؤك رغم عهنها المتطاير .. ‏و تُصنع على رمشي .. ‏تُبددَّ في الـ قَطّبِ حاجبين من تعب ، انفرط على جبينه جمْعك .. ‏إنك تتناثر لتسدي لتماسُكي العتب ، لنظرتي بُعدَ المساس ، تُنهك الخطى و تُفني الصبر بالصبر ، و تُحقن في عبرتي دخان أضلعٍ سجانه . ‏مثل ما أنك تعرفُ جيدًا من أين تُسلبُ طاقتي ، وأين ترمي جثة أحلام مشدوهةٌ من فمها الخسائر ، ممزقٌ في خطوط يدها الأمل ، رؤياها في عمى الطرقات قد تشبث العثر ، أوسع بها البوح اقترافاً يُدلي بـ أذنيك ، ملطخةُ رجس القال و القيل . تستسقف المشانق و كل الموتى أنا .. ‏تتداعى لتنشئ في جُملك من جديد ، لتكون المتحدث الرسمي في قسوة ما يُكتب اِتبعَ فيها الكلام حِدته ، بجدية ما يُملي بفراغ ! ‏لِـتُمارسك انياب الورق و ما قد وقع و هضمته السقطة تلو السقطة شبع حروف تُسطّر ، ضربة حظ سوطها آخذًا في سوءه ، في عرضية الحائط يرتطم و يؤلم ، ثم لا شيء بعده عدا تفرقك ! بقلم / لطيفة القحطاني