حكاية ..

‏لم أتعرف عليك كما يجب ..‏تركتُ لعنفوان العمر ملامح الرف الذي خُصِّص لسنين تَقْـرَبُـك ،   تركتُ الحيازة  بكاملها و التي لا تأتي إلا بفراغ  ما يُشغل ، و تعاملتُ مع الأمر على أنه فترةً  وجيزة ، كأس و سينكسر ،  لذلك كان ما اعتقدته هو فعلاً ما احتاجهُ المنظر وجهٌ خال تمامًا إلا من تقطيب كُتبك و شحوب قِراءتك كما تحب أنتَ ، في فرجةٍ ، اسايرها الليل و توردها العتم ، تركتُ لها أيضاً في أخر الممر فسّح ما تتلمسه إغماضة العين في اتباعك مغنىً و بحراً و غرقاً بغية تعرّفٍ أنا الـمُتريثةُ به و التي تبتسمُ و خلف فمها ألف شتيمة للطريق . 

صوتك كان يعني الزورق آن ذاك ، كان يشق في الاستماع طفولة الاستجابة ، غير أنه ما بين الحكاية و النهاية كان التوضُّح بكل أسف ، هو الاسم الوحيد في عالم الإنصات الذي وحّد النداء صلاةَ صوتٍ يدعو ، يتبتل ، في تفكيكك كما يجب ..

‏ إلتماحُك في زاوية الحديث مُتمثلاً ، لم يكن مجيئاً عفوياً كما تظن الطبيعة إلا على هيئةِ قصةٍ تنظرُ لأخر فستانها بعد ليلة حافلة ، وقّع سردها مُعاداً مُملاً ، كل وعظِها قد مرَّ عليَّ من باب تشييع ، تنديدُ أصابع جدتي ، في تعزيته حذرها ، تثني النصيحة خلف النصيحة و تكمل عشرها قبضتيّ وصايا و نُذر ، تقول في إحداها و هو ما علق في وعيّ رغم تجاهل خطواتي المندفعة و ما يفسره قلبي و أعذاره ، و ما يَسيرُ به غوايةً و طواعيةً و غرق ، (الرجل كحلقة الخاتم متى ما امتلأ الإصبع به ثبت و متى ما هزُل سيسقط ، كوني زحمة فراغه ). و يح إحاطتك كم لدلال تثبيتها من جهدٍ … يُفرغني رغم الامتلاء .

لطيفة القحطاني

بطل الذرائع ..

‫بما يكفي كنتَ كف الشخصية التي ربتت على كتف روايتي و أنهت كل شيء في غضون قصة حزينة ، قصةٍ لا يكلف قارئ صفحاتها الأولى إلا أن يشتم من رأى منها قصةً تستحق التدوين ، أو حتى المثابرة القلمية في رصد مواقف ينز سطرها المتعب عن ملامحك الشبه صادقة ، ألا تقف معي في أن الكذب عنوان مُستباح بطرق واهية يطرق كل كلامه و مبالغاته و مجاملاته حتى طبطبة حنوه -ذات المواقف التي بكيتَ فيها بشكل لا دموع له – ألا تراه عاملاً دائماً يقف في صفك ويشد على نيتك في تصفية الأمور بيننا بشكل تستسيغه عقلانيتك واتخاذك من شبح الأمور حالات نادرة واتقبله أنا بشكل ذكي ، يرغم الحياة أن تكمل طريقها بشكل لائق، أبيض المضمون ، لكنه في الحقيقة مرتبك يُقاضيه ضميري الصامت عنك ، لا تستوي به نظرتي التي تحاول دائماً أن لا تسقط إلا منها كرجل لاتهمني عوارض الأحداث في بقائه قطعةً مني أبد الدهر ، بعيداً عن شواهق قلبي الذي تبلغ معه القمة طفولتك ، و أمومتي ، الذي قد لا اضمن حنوها دائماً ، و أمام غلوك المتزايد أبداً .‬
‫

التتابع بلغ منتهى الحدث الغارق ، ومنطاد حكايتك في سمائها هبط في سوء الأحوال الحسية ، وعطر الأخريات الذي فضحت الريح به هروبها ، وهبوبها ، وخنقها ، مزقت تيجان باقة الكلمات والتي هندم بها العذر حماقته ، خصر السيقان التي أهديتها لي مربوطةٌ بشريط العذر الأحمر في بشاعة ما رُتبت له يبدو الذابل في كل معاني تنتهي به أكاليلها الصناعية، كلماتها المحفوظة ، صراحتها ، كذبها بلا شك . ‬

إلهام مغتص ..

بما أنك تثير إلهامي في الكتابة ، سأحكي لك عن طقوسٍ ارتكبها كي يكون دفع الحروف أسرع و أجدر في تدوينك حجرةَ قذفٍ تمكّن الهدف من أن يكون سائغ الطعم مر ، يحكي تأويل الشربة الحقيقية ، و تمتلئ به كؤوس المحابر و موائد السهر ، ففي نصف الساعة التي أركض فيها صباحاً لوحدي بمحاذاة ما تركتَ مكاناً فارغاً يتحسسه نظري كل مرة ألمح فيه لمياء و هند و لمار و هنّ يصفقنّ بالضحكات في سماء تلك الهرولة ،  بمعيّة اشقيائهنّ ، تشتعل جذوة صفعك بصورة فوتوغرافية اطلب فيها من مصوّر الشواطئ أن يلتقط لي صورة لها من بعيد  مع نادل المطعم الأنيق الذي سأفاجئه بتحليق يدي عبثاً على ذراعه ، و اعتذر . سأسقطها لك من باب العثر عند أقرب باب نلتقي عنده ، و أُحدثك عن أيام البحر أنها كانت ممتعة .

سأتقلد كيّد امرأة العزيز برسالة لك و أثير فيك موعداً خيالياً في غرفة الورق موقعاً باسم زليخا . و انتظر موعد سقوطك في اللقاء الواهم .

بهذا ستثير كتابتي أكثر ، سأنفخ كل بلونات الاحتفال بك دفتراً ينتهي .

نفث !

ناولته صمتها و قالت : أتعلم أني أخشى عليك من هذيان الليالي و جنون المشاعر و انسكاب الفاقة على صدر تعابير مُظلمة ، أخشى عليك حتى من كلامها الخالي من الصوت ، المقفرة فيه الطرقات ، المفقودة فيه حلقة الضمائر الصريحة و المليء بالنيات السيئة في البوح .
و لا يناوشني اطمئنان إلا في أن الوادي لي غير أن ماءهُ يبقى الحر ، و أني المحتضنة بشدة لقلب لا زال لبقيةٍ جُلَ نبضه ، أني في سكن ما غلفه سرك حجرةً معتمةً ، لم يكن لأزرار النهار بها ياقة شمسية ، نمنماتٌ أصابعها الملونة على عنق تعددك في قبلة .
قلت لي يوماً : الحياة ألوان و طويت عطرك لي في سطرٍ فصيح ، كل حرفه في مساحة تسليم كان هو القلب ذاته الذي ابيضّ و من ثمة اسودّ كحل اعين تنتظر .
ذابت مكعبات الألوان في كأس نخب الرسائل التي كُتبت بحبر خفي ، يتلمس له الظهور أعذاره .
همست لي غفراناً : القادم أجمل .

نواياك التي تمطر على حقولي بمواسمها الممتدة هي ذنب اللامحدود على سنابلٍ مثقلة ، مشاعرٌ كل نضوجها كانت بين صوتك و الماء دوحةً عذراء .
هل تدّكرُ حصون الكلام عندما كان أركان صريحها ظل دواخلك ، و كنت حماية الحياة للحياة ، كنت حنو المطر ببذرة الحقل و ثمارها .
ويح البدايات التي لا تدك في قولها عثر الامتداد منذ نظرة تخلد ضمّ الإطار و أسرة اللوحة و نسب الحب ، و يحها يوم كان التاريخ صديقها المغادر .
الدماء تختلط و القلوب في تبادل أدوار ، و رائحة ليلك لا ينجبها غير شِّعرُ ما تنصت له الأوردة .
لن استمر في تخليدك أكثر مما خلد الجدار على صدره قرطًا لصورة وحيدة ، سأهرب إليك هروب الكلام لناحية تغليفه .
تركك إياي على رصيف لونٍ تنتشيه الخطوات ، ترمقه حكايات الأعين العابرة ، و تثنيه عن الانعطاف كأول أمل و أخر خيبة تشكيك لقضاء الطريق و محكمة الذاكرة .

بقلم / لطيفة القحطاني