تجرد

كيف أدس الرسائل عنك، كيف أشتت الصورة التي تحدق طويلًا وإلى الأبد، كيف أبتر السطر عن كتف الكلام بلا كلمات مثقلة بهروبها، بتعبها الذي يندى له جبين الاشتياق كتابة وصمت في آن، صمت ينزف بين حنايا اللحظة المدونة والخطوة معًا، بلا فرق في صنع اللهفات المكتومة والعبارات المحمومة ؟

كم سيبلغ عمر الحب لو قِيس بالكلمات التي تنمو له ولا تُقال ؟

كم لثمة ستُرتكب في مشاهد التوق الذاهل في أعين خُلقت للإصغاء والقلق وتحري طعنة النطق ؟

وإلى أين قد يسير بنا طريق هذا الانصات وقت الشروع في تصاعده حياة لكلام، لذرف أدمع من الخلاص تتنفس التسلق ولا تصعده.

لم أعد صديقة للكتابة ولا للشعر ولا للقراءة القصصية منذ اكتمل الحزن كتابًا وحديقة وقهوة وصار من الأولى تلافي الحديث عن القلوب المتورمة تلك المقرون نبضها بدم آخر في البعيد.

حتى في تفادي عوالم الكتب تلك التي ما عُدتُ اسمع لتنافسها صوت الآخذ والمأخوذ، كل شيء في توقفه حدث، ذاب منه سلام في اعتبارات كنّا نراها في الحب وأصبحت طواعية في اللغة، تجاذب وتضاد لا ينجو منه بوح … وربما أنا وحدي من يشعر بهذا .. أو بالأحرى من أصبح فارق الدهشة بين انقساماته واختلاف جهاته ودمائه التي ما عاد للنداء حياة على صريحها أو ضريحها.

بقي لي الخشوع والهدوء، والنوم الضالع حلمه .. بقي كالتيه في زوبعة من السكون هو نفسه رسمٌ يتيح فسح الكلام على مهاجع تُكتب بيد الهواء على لوحة من التراض الماحي لهذره .. وعي الصباح، أثاث النور في البقاء والذكرى وتفاصيل اللقاء الأخير وموعد الانصات القادم من الحلم نفسه والصمت نفسه والنبض المُجهِد نفسه.

وبين هذا وذاك قصة نكتبها من دهشة التواري وحولقة التعلّق وتعاويذ العجز. يتلوها قرط المساءات البراق على أُذن العطر الجريء على الياقة الأنيقة والعزف اللطيف وخفت الأضواء، كما فصل الليلة الأولى للنبض والفقرة الأخيرة من رسالتك الفواحة والمتحلقة بذراع الرد، التي هي بمثابة ترنيمة نوافذ تمنح الصدور حياة الماء، والخضرة، وغَدو الطيور وألفة النور المخلد في الشعور، شجرة تكررت الأرجيح على أغصانها تاريخ فصول وربيع روح .

اكتب تعليقًا