غاب 

في ذلك التفجّر الذي انبت لي في زاوية الفم البعيد ، زهر كلمٍ و رحيق معنى ، فقدتْ قصائدي يدها التي تشُك من النداء مجرى للسمع ، و رتقٌ لما تمزق من اسم انفرط خيط تماسكه فوق اللسان الذي اختلط عليه طعم الحبر و الدم  و صار يمضغ  تلعثمه .
كم هو حنق الكلمات تحت حد الفقد ضائعٌ حديثه ، في ذات الحين الذي لم يعد رأس العاطفة وحيداً ، صارت الأشلاء ترافق كل طرف قائم بفقده ، حلقي يؤلمني ، أتلمس تعرّفهُ على اللغة و أترك لك اجنحة الصوت الذي يضعف و يضعف و قد استعمر الشوارع و أطراف الهجّر و المقاهي و الموانئ و مباني الروح حيث ترحل ، ثم سكن فجئة الغياب ، تاهت مداخل المدن عن ساحاتها !و الصوت عن مخارجه !

علمتني الكلام ثم قلت لي اصنعي قصةً و غادرتَ ، ليتك اذقتني من غربتك تلك معنى للغة غير الذي عرفت ، ليتك أخذتني معك ثم نسيتني هناك حيث البعيد عن كل شيء ، حيث فمي ، ليس لاني أعرف أين ذهبت أو أين ستتجه ، لا ، فقط لأنها أبعد نقطة سيُحكى لي عنها يوماً و تنغرس ما بين أمنياتي نية جادة في الذهاب إلى ذلك المكان بصفته ضمّك يومًا بحزنك ليس إلا و بنفس التوقيت الذي هو شردني عن اهتمامك و تركني تحت اتفاق قاسي على الصمت و الابتعاد إلى حينٍ ما يتصالح فيه الحب مع صفاء ذهنك و قرار عودتك الذي لن أُحمله أبسط ذنب زرع فيّ البكا و أودعه مساحات .

أتعلم أني كنتُ أراني في أشياءٍ كثيرة تخصك أتكون بشكل مضحك ، تحت ياقة قميصك الأبيض الذي يقترب من وجهك ، من إمتلاء تحت وجنتيك ، خارجاً عن إذن النُحل يوم كنت نحيلاً و وجهك أمامي يتورد .

أراني بين إلتواءات صوان أُذنكَ الذي تنغرس به كاتمة الصوت تلك التي تصبهُ جاهزاً منغماً في جوف وحدتك مباشرةً ، الخانقة بذلك صوتي و المرتب عن قصد في خزانة الصمت الذي أقفلنا عليه ظلفة كلام مكتوب و حسب .

أراني على جفنك المرتعش الذي يفكر و يجّمد لثواني لا يعلم إلى أين للفكرة أن ترمي به ناظراً معبّرًا تستقر المشاهد تحته فيكتبها كيفما أتفق حدثاً حقيقياً، مسألة شعورية خاصة به ، فناً إنسانياً لا يتحقق إلا لصدقه .

أرآني بين شعرات ساعدك المتكئ و الذاهبةُ في الاتجاه الواحد أثر مسحة غير مقصودة جرتها منشفة الفندق التي ترفضها ثقتك النظيفة، لن أرني ثانية في حدودك أكثر من هذا ، يكفي يكفي ..

سأتناول مكان تفجّري بعناية أكثر ، سأحاول ترميم ما يمكن إن يُرمم و أنفخ فيه روح بقاء تقاوم إكتمالك في رواية ، قدمُ ريحها تستريح ، شعور ساعتها يُكتب ، حياة تسند ظهرها .
٢٠١٧/٢/٣

أنا

سيدة من زمن آخر ، ركضت الأيام بها على غير عادتها و كان أن رسى بها الحلم على منكبي قدر مكتوب ، مصابة بذهول تقرّع الطرقات و تناهي ما هي عليه سماءٌ واحدةٌ تسْقفُ ترحالها أين ما ذهبت .

عرفت نفسي يداً يمنى كادحةً تكره المطبخ و تعمل به ، تحب الورق مبتعدة عنه ، تدرس ما لا تحب و تتفوق فيه ، تعمل في مهنة  ليست معها في وفاق ، تقرأ لتكبر بشكل يشبهها ، هذه الأخيرة هي جبيرة كل سواعدي الأولى و التي طق عظمها ذلك الكدح ، و رغم المكاره و الظروف أكثر ما كنت أتفانى في ريه هو ترتيب أحلامي البعيدة بأصبع تشير للمستحيلات بأن يكون بياضها يميناً قليلاً و زهرها إلى الجانب الأكثر اضاءة  و أخضرها هناك ناحية الشرفة المغلقة ، وأزرقها في الزاوية الأكثر خنقاً ، أما أسودها فيكون هنا بالقرب من وسائد صمتي الذي يكتب كلامه على دفترٍ و يدسه تحت مرتبة الذاكرة التي تحيل النوم ليقظة و اليقظة لقلق ، أنا هي بكل بساطة تُقذف للخارج ، للورق .

حالمةٌ جداً ، غامضة بعض الشيء ليس إلا لأني أحب تمجيد الأسرار ، و أكره كتابة المذكرات ، استقبل قبلة الرسائل بشيء يشبه الصلاة ، كل اسرافي كان فنجان حب ، و ملعقتين من الهدوء ، غير أن الحياة لا تنصفك ، عندها و عندها فقط إلتزمتُ صمتي ، هو في الحقيقة ضجرٌ متماسك ، رماد لازال على هيئة تجمّر انطفأ ، لم يعد بي اشتعالات جديدة بالحياة عدا كتابة ما قد أراه من خلف قضبان نسجها عطر و مطر و آه ذات تفرغ يُذكرنياه ركن الكلام .

لطيفة القحطاني .