شيء

كانت تملأ جرار الماء في توالي حثيث تروي فيه عطش دارها الـمُلح ، تخوض به دقيقًا ، تغسلُ أطراف الأيام المتسخة كل غروبٍ ، و تُسرّح شَعر الصباح كل إعداد على أغنية سَقَطَ من بين أسنانها ما كان يسوّك الحروف ما كان يهندم في الصمت رغيف يوم و حكاية أمس .

________

هي لا تكف ، تغيب كي يحضر الحب برجليه الداميتين ، يدسها واحدة تلوى الأُخرى في رمال قيّظها الذي هب في ناعم الصخر توق كثبان .

_______

كانت شيبةُ الريح حيث تتفلت الأشياء ، تهز عن منكبيها تعبُ الخريف وغزو المدينة ، إلى حين صفّرةِ إصغاءٍ  و حجّرُ ماءٍ رهينة ، هي لا تركن للقضبان و لا للنوادي النسائية ، غير أن وشم العرف و خلخال من القبيلة كانا صوتاً في المدى صد الربيع و أحيى في الهرب قضية !#مرآيا

لطيفة القحطاني

 ” دَيَّنَ “

قبض بكامل كفه على تاج الوردة الحمراء الـمُرتكزة بارتواءٍ في مزهرية ردهة المدخل ، قطفها بضغطة واحدة مابين أصابعه بحركة كاتمة ساقطت كاملُ أحمرِها بتماسكٍ في يده ، ثم كومها على الطاولة كمن يُنهي حياةً و يخرج ، ذهب و تركها تنبش ذاكرتها أن فيما اخطأتْ ؟ مالذي غيره و نكّس حاله معها و هما من الروح الواحدة ، القدرة الهائلة التي تستطيع تغيير ما حولها دون أن تتغير، كل ما عاد لها و توضّح هو تبدّله من بعد تلك الليلة ، التي انتثر فيها صندوق الوثائق القديمة و الذي بحثت فيه عن عقد نكاحهما لتوثيق بيانات كانت مطلوبة لِـإشتراك الأزواج في برنامج جماهيري يناقش مشاكل تخص مظلة الرأسين تحت مطر الحياة ، صندوق كانت قد أخرجته من بين اشيائها فإنتكس و انتثر دفعةً واحدةً أمامه ، ثم أذ بها في رعب وجود احدى  رسائل ذلك الصندوق على الطاولة صباحاً، و هي التي لملمته سريعاً في حينه ، تلك الرسالة كانت من ذكريات دُستْ في بطن الصندوق العتيق الذي كان له بطن حوت في عرض محيطات يُأمّن الموت لكن الموت هذه المرة لم يكن جاداً ، فقد لاحظتْ و منذ تلك الحادثة و الاشياء في انحدار بينهما ، تبادر لذهنها لا مبالاته و التي تمسح على رؤوس المشاعر منذ تلك الليلة بالتحديد ، أسرعتْ إلى الطابق العلوي ، أخرجت الصندوق من الخزانة ، نبشت ما به وأخذت الرسالة ، قرأتها بسرعة من يتذكر ماذا قد كُتب ، تلك الحروف قرصت فيها الاتهامات ما قرصت ، و أدمى الجرح ما كانت أصابع الكلمات تتحسسه ، أ يكون قرأها ؟ 

تسأل وجلها في حين من التوجع !

فقد كُتبتْ تلك الرسالة في عمر قد مضى ، حاجة كانت ملحة ، تحاشُرٍ في زاوية كلام صمّت ، بوحٌ لم يلتحق بمساحة ظن أنه سيطيرها ، كانت المشاعر متكشّفةً في ذلك المظروف بما لا يدع لتفتل غُفرانٍ أو صفح أن ينظر و يعذر ، إنها أسطرٌ بيدها مشرطٌ عاتب بالشكل الذي يخنّدق على خد العشق ما يشوهه ، كُتب بمنادمةٍ قطّعتْ أنامل الحياد إذ يقول : نعم ، أنت عاري تمامًا ! لا تعترف …

و قررتْ في لحظة ساهمة أن تفتح موضوعها معه و تصارحه بنيل تلك الأيام منها و خربشة الحبر..

– لابد من مواجهةً أتحدث فيها معه ، قالتها بصوت مسموع ، طاردة أي حيرة قد تأتي و تراجعها عنما عزمت عليه .

انتظرتهُ في ساعة قدومه ، مرتْ بثقل و تبعها ثلاث ساعات أخرى و لم يعد ، رأت الاتصال به كــ حل تتحايل به لتعرف ، متى تتحين عودته ، وَ تقيس به انفراج حاله ، فكرت في ادعاء ألم مفاجئ ، ظرف طارئ ، اِحداثُ قلقٍ يعيده ، تراجعتْ ، ثم تقدم بها فضول الـ( أين ذهب ؟ أين ابتعد ؟ ) و انمد به الوقت الى مثل هذا التأخر الذي ليس من عادته ان يفعله بعيداً عن مكتبه و كتبه ، رفعت سماعة الهاتف ، أدارت الأرقام بتتابع رتيب ، خلّفهُ من الترقب ما يكفي لرغبة خلط تُعثرالمكالمة و تفصل الخط ، عادتْ للرسالة فتحت صفحاتها التي كبُرتْ و اصبح لها صوت سنين بلغت يأسها ، تلك التي تلصصت عليها ذكوريّةِ الراسم لـِ شواربِ حقيقة بشعه ، نهرتْ وجه الطفولة فيما اِرتدى و ما قد مارسه هوايةً بسواد ما صُمِّتَ عنه و تُدثّرَ ، فاصل حديثها شد القراءة الصافعُ كفها وجه قارئٍ مقصود ، شتم فيه خيانة العشرين سنة و صَمّت !