ما قبل الرحيل

طوتْ الرسالة و على ظهر المظروف كتبتْ ( إلى أَذى طريقي و أدنى شعبة من إيمان )

كتبتْ له بتخاتلٍ ذا اشتياق ( و أَعْلَمُ أني في أبعد بقعةٍ من روحك سأقبع و لو بعد حين ، إلا أني سأُنادي النقاط كي تنتهي بك و يلتوي على نفسه الدرب الأخير، يمتطي استدارة العودة نافضاً عن ذراعه العنوان البعيد، ماضياً في تجاوزك ، في قذف أَذى الطريق بخذاء نسيان يليق ، تُعامل حجرك المدبب بما يحقق الصدقة لي و الإماطة لك ، فقد تخلصت من ورق قديم بدأ يملأ جيوب أدراجي ، و صندوق خباياي ، و نبض وجه في سماء أن أكون ، لن أحتفظ من رسائلك بعد اليوم إلا بتلك التي قلت لي فيها يوماً بائساً أنك تحبّني ، هذه سأحرقها على مهل في منفضة تجاورني ، سأُشعل قداحة الشتم من فمي أولاً ثم أرنو في متكأ على المنضدة ، أريح فيه رأسي و نظرة عيناي المحدقة ، أنا و لهبٌ يأكل الحب ، و في الحركة المتأنية سينتهي بالورقة ذروَ نفخةٍ متأسفة يخلفها بصق قلوب قررتْ ألا تلتفت ثانيةً للخلف .
اغتراب ما بين الوطنين هو قطعُ ما بين الضفتين ، و السير بقدمٍ واحدةٍ تحت ساقِ طريقٍ طويل آن ذاك كان وحيداً عابراً حرج البلاد ، يتمايز بأرصفةٍ تتشقق لها أسماء الأطفال ، و البدايات ، وزنابق الموعد المؤجل ، رياح النداء الذي جاء من فم المواسم العتيقة ، يتلو فقدك المبجل ، القارئةُ له خطوط كف الرحيل ، رغم أنك في الغياب تقضم طرف نسيانٍ لذيذ ، جوقة الحديث فيه صمّها مرُّ عجلةِ القطف التي أتت على جوعٍ فضوله أنت ثمر، متى للجسر في تدليته أن يحاكم الريح ، يقاضي هزتها الـمُسقطة ، و يناول رجليّ الحديث في عبورك حكايةً لا تبلى .
بتلات الدفتر في صباح العمر غالباً ندية، حبرها بارد ، عطرها مُسجى ، قطفها معضلة، الورد لا يحب قاتله،وقطفهُ كفيل بإهدائه عمرٌ ذابل، كمن يهبُ عمر الرياح مسافة سفر السفينة .