سكبة أخرى في الفَنَاء ..

‏معطفي الملقى ، ساعة النهار اللاسعة ، هجرة الكلام إلى الورق ورغبة البكاء الأمهى .

‏الناحية المواربة من الحديث ، المنعطف الجاد في التواري ، الساعة السانحة في الاختطاف ، الرغبة الثكلى في الكتابة ، الوتيرة الأفضى في التمعن وانهيارات الأيام الحزينة .

‏أسطر تسير نحو الانزلاق ، نحو عنونتك للقصائد السائبة ، فرارك الأفنى من قبضة النسيان ، علقة أثرك بالورق الأبيض وتجدده ..

‏وبعلامة التنصيص

‏وبتكرار الفواصل

‏واستحالة النقطة .

‏تكهن الأماكن بك تأخذ بيد أحرفي ، قهوتي ، مسندي الخشبي ، وبالمعاني الزلقة واللغة السائلة ، وكونك الذكرى المنقشعة ، الممهورة بخطوط يدي ، وانكسار ظفري ، المقرؤة بخيط داكن وإصبع نافرة .

‏يا لي آخر نفق ذلك الحضور وأول ذكرى للرحيل شرسة ، في كونك الضوء الأبعد والانقضاض الأطول على سكة نص يُكتب ، يعبر مسافة الحبر على قلبي الهش انغراس ( كعب الشوكة ) .

‏رَجمُ الفراغ فقأ عينيّ التراءي ، سلب منه ضوء نقطة المخرج ، دفء ما بين كفين يحتكان

‏وحجر ينوي سد ثقب الفكرة

‏ همسة لا تغادر إذنها

‏شتيمة لا تنسى وجعها

‏خبر لا يتجاهل فجئته

‏سهو يتدارك جريرته

‏ليل تأجج عتمه

‏وحب اضاع بعضه

‏وهبته المسافات فرص للتناهي حيث لا تناهي .

.

.

‏الكتابة غريمتي في الاحتفاظ بك .

هب روحك أنك أنا ..

هب روحك أنك أنا ، تَمَجّد في كونك المشتاق إليه ..

ونادني ..

كوّر الاسم والقِه منفجرَ الأشلاء على مسمعي ، اعرب عن حروفه المتناثرة بكلا النداءين الحزينين اللذين خانهما حلق الفيض ..

وأحْي المبتعد ذَا الصوت الفاقد رفقته ، أحبته ، نبرته ، وجهه الأخير ..

تخلْ عن اسمك إن شئت واعبر ممتهن الطريق ، ثقيل الأجوبة ، منهك التخلخل على أرصفة واسعة ، وطول مقصود .

هب روحك أنك أنا ، تبجل في كونك المغفور له ..

وقفْ ، تمهلْ ، اعربْ عن عرج الخطوات اللاهثة ، والسير المندفع ..

ضعْ في فنجان القهوة لكن بلا غرق ، وفّ العطر بُنًّا متنهى الشذا ، مُدْمَن العبق ، منتشى الشوق ..

برهن للمسافات تعب عروجها وتوه في نقطة منعطفٍ لعْ ..

استدرك نضح الحياة على جبين ما قررتك ..

واكتب السطر الأخير من الاستباق الحرّ ..

قاتلك فيك ، أنْزف قاني النبض ، مشروك القلب ، مشبوك النصل ، ممتلئ الكون ..

هب روحك أنك أنا ، اشدد على ساعد ما كناه واسكب على الدرب مياه ، راهن على القبلة في محياه .. انسام قصيدة مهداه ..

في كون الأنا حياة .

وكونك روح منح الأنا .. يا أنا .

للـــكـلّ عــداك ..

‏أُقِظُ في اللحظة ألف سيرة ، أفقؤ عينا اللون عن قصد ، أُلطحُ بفرشاة الحديث ضواحي اللوحة وبُعدًا خامسًا للحب .

‏لا أحاول وقتها أبداً أن أسعف يدي بل أغرف بقعة لتُمطرالمدينة ، أمسح القطرات لتمتد الطرقات ويتسع معنى آخر للجذب .

‏فسيحٌ كالسماء ، مشعثًا كشعر طفلة ترفض قسوة المشط ، مؤذٍ كوخز حقنة لن أطيب إلا بمدّ ساعدي لوحشيتها ، نازحٌ لا يعود لأرض سلام خربة ، نادرٌ كقطرة ماء المخيمات والملاجئ ، زخِمٌ كــنزوة ، مُلحّ كطفل ، متناثر كفتات كأس أُسقطَ بغلظة .

اخرج من رأسي ! تلقى تحيةً عذبة من ليال طويلة واخرج !

‏من عمر كامل واخرج !

‏إني في أعلى نقطة من التمرد ، الذي يفشي فيه حارس الرقعة سرّ ملك القِطع ….( كش ملك ) .

‏وصل الأمر بي أني لم أعدّ أحب أحدًا ، وإن تعلق الأمر بأيتام أو أطفال أو أمهات طيبات ، كل ما في الأمر أن عاطفةً عابرة تستثار ، ما تلبث أن تغادر ، تبرد ، تتشظى كآخر ما يمكنه أن يتماسك .

‏مضحكٌ جدًا أنك تتفائل دائمًا بجنون ما قد يمس قلبي ، ولا يجعلك المحاولة الأولى .. العُرضة دائمًا للخطأ ، والتي ما تكون إلا نزق وحدة وفراغ .

‏لا تحاول رفع رايتك البيضاء أبدًا أمام تسلحي الفطري بدرجات طيف ملون ، تأنقي العابر بمشجب قديم ، نبرتي الارستقراطية ، وخطواتي الموزونة التي تأخرت كثيرًا حتى اتقنتها ، كعبي الطويل الغير ثابت ، قلبي المغفل المرتبط بذكر اسمك .

.. منفــاي وقطعة السكر .

سافر برفقتي ، اقطع مسافات لا تقاس إلا بشغف ما تتنهد به عينا الطريق ، احمل حقائب الكلام بيمين صمتك ، وانكر سماع صوت الطفلة التي تصرّ دائمًا … تبكي دائمًا ، ترمي لعبتها على الأرض كآخر حلّ تعرب فيه عن احتجاجها الذي لا يؤخذ به ، ثم تركض لها حاضنة في هدوء الأعين ، تستسمح ملامحها الحية في اعتباراتها هي فقط … سابق الزمن ، واحصل عليّ في غضون الكلمة التي يثقل عليك قولها وقت الغضب ، حررها في تعاطف اللحظة الحزينة والشوق السحيق .

نقطة الاتصال التي جعلت رؤوس اصابعي في استناد يدك تملأ المرسى سفن ، تجعل من القبعة في مهب الريح ، قلبًا صغيرًا ، رسمة ممزقة ، شعرًا فوضويًا ، ساعة عطشى ، رهينة تموت ، صداقة تُخان ، وذكرى تنتصب مع كل وجه فجر ضائع .

لن أحاول أن أترك يدك ، سأثقب قاع البحر .. بظفر قلبي و أسرب الحب ، لتعلق أنت في مصفاة يدي ، لن أتركك .. سأدسّ بقيتك في عمق يبتلع الأيام من دونك ، ستكون النمو الأخير الذي لحق بي ، وبقيت عليه ملامحي .

السماء هذا المساء ، تنبئ بهطولِ تسربٍ جديد ، وكلتا يداي منصوبة بكفيّها المفتوحين تخنق فيك السقوط ، تهبُك السعة في تكاثري الممسك ، وفِي عطف الإصبعين اللذين لن يخطِئاك .

عالقٌ .. عيناي تقرؤك .

لطيفة هيف

حكي ..

‫لا شيء نواري خلفه كتابة انفسنا بالطريقة الصحيحة ، كما يحدث بلغة تناقضنا ، كأن نكتب عن الحرية وانطلاق الأجنحة والسفر وقصص النجاح في ذلك ، ثم في أخر الأمر تكون قد وجدت مقبض الباب ، الذي لن تعود إليه ناحية الفضاء ، لتمارس النظر أمام ما قد تتخذه استعدادًا لأن تكون حر ، هنا تكون قد حققت الانفجار الذاتي في أوسع منطقة علنية وأضيق منطقة تتحطم فيها بصمت ، خلّصت صوتك وقتها من تكتم الجهات ، وبذلت قصار جهدك في أن تكون الدائرة التي زاد حجمها إلى أن صعدت وصعدت إلى الطبقات التي لم تكن بالغها إلا بمزاحمة الصعوبات أكثر ، كي يتسنى لنفسك أن تحتل مكانًا وإن كنتَ فيها الذي يقف على رأسه ، لاختلاف كل شيء ، وغربته ، تخشى بعدها البرد والوحدة ومناقير الطير وصلابة أرض الوقوع إن أنت وقعت ، إن خانتك يديك ولَم تعد تسندك كي تطير أمام الحياة الواحدة التي تعيش ، مررت يومًا ببائع بالون يجول في المداخل ، وبدون أن اشتري سألته : أن هل بالإمكان أن تكون البالون شيء يباع بلا هيليوم ؟ ، اجتهد ظنًا منه أني أريدها ذابلة ، وأفرغ أحدها وقدمها بنفس القيمة ، تراجعت ومنذ ذلك اليوم أدركت أن قيمة الانفجار بقيمة الذبول ، كل ما هنالك هو صدرك الذي يحوي كامل الأمنية بوسع ، يبدو أن الحرية ليست بكمية الصوت أو الهيليوم الخامل أوحادي الذرة بل بقدر اقتراب الفوهة من خنقة النفس .‬

لطيفة هيف

قصة : “رفقًا بما هو باق “

عاد إلى حيث منضدة الكتابة التي استهل عليها كتابة مخطط الرحلة التي قررها أروبية الوجهةِ ، فجئةَ نهوضٍ مزعج ، اكتشف بعده أنه يحتاج إلى فترة ابتعاد يستعيد فيها ماضيه وقواه الذهنية التي بدأ يشعر باضطرابها نتيجةً لغياب كوثر التي تركت المكان ولم يعير ذلك أدنى اهتمام في اعتباراته بادئ الأمر ، والذي كان قبل أسبوع من تاريخ هذا اليوم البارد من آذار ، فقد بدأت الرياح تأخذ شكلاً أكثر جدية في نفض الأشجار وتعريتها الصابغة للطرقات ، باللون الكتاني الشاحب ، تتهشم فيه الأوراق والحشائش تحت صنادل مفتوحة بدأت تتغير إلى أخذية مغلقة كلما تعاقبت الأيام بدخول وتغير في الطقس ، لتتقى جفافًا وبردًا مقبلين .

” اتحدت كوثر مع هذا الفصل المقبل بذبوله وتركتني ” قالها مدمدمًا قاطعًا الممر الخارجي المنصف للحديقة الذي اقترحت كوثر تظليله بعمل أعمدة مقوسة تجعل منه نفقًا عميقًا وقد إلتفت بأذرعه المتواصلة بشكل نفقي أغصانًا لولبية متسلقة أكسبته خضرة ممر أدغالي مهيب ، أبسط ما يقال عنه أنه الآخر حديقة بشكل ممر ، تتوزع على جوانبه أصص بعض الزروع والأزهار ، مما لها رائحة عطرية ونكهات غذائية كالنعناع والزنجبيل والميرمية .

سكان البنايات المجاورة يقدرون لها تلك البادرة الإنسانية داخل مدينة غزها الإسمنت والأسفلت بشكل جائر .

” جواز السفر يحتاج للتجديد وقرية تحتفل بزواج ابن خالي هي الأحق بالزيارة . كوثر ورحيلها الأرعن يجب أن أشغل ذهني عنه ، التفكير بهدية لبسام هو الأكثر حيوية الآن ” قالها مرتبًا مهام ما قبل صعود الطائرة .

دخل متجرًا على الطريق كان منظر ” الفاترينا ” والتي إختصت بعرض معاطفٍ فاخرة قد شد انتباهه وقرر وهبه واحدًا منها بغض النظر عن ملائمة المناسبة لذلك الاختيار من عدمها فهو مقبل على حياة شتوية توصف بعكس ما يشعر فيها ، ” الدفء لا يكون بالزواج إنه لا يكون إلا بالمعاطف ” قالها حانقاً على عرفٍ رَآه أبله .

بدا في اليوم الآخر رجلٌ مستعد للسفر ، في يده حقائبٌ معتدة ، وعلى عنقه ربطة لم يرتديها منذ غادرت كوثر والتي كان لا يهتم بها إلا في المناسبات الكبيرة فقط بعكس كوثر التي تشدها له بأريحية الأناقة الدائمة التي كانت تحرص على إبقائه عليها منذ دخلت بيته عروسًا تقليدية ، اختارها له ” ابنه الأمريكي ” حيث كان يصفه أهل البناية التي يقطنون فيها ، وذلك حسب ما يعتقدونه ، وكناية عن شعره الأشقر النافر بشكل مُشعث وعينيه الخضروان والتي ورثها عن أمه الفرنسية ، التي بعثت به بعد ولادته ليعيش في كنف أبيه الذي أثقل عليها بحمل مبكّر وحياة ريفية لم تتفطن لمساوئها أمام حب مراهقة متمرد ، وأمومة هي ليست أهلاً لها ، عاش كريم مطيعًا متفوقاً كاسباً لأصالة أبيه وجده الذي حرص على شطب أثر ” الفرصاوية ” كما كان يسميها في ذكريات لابنه المتهور والتي كان يشتم نزقه وطيشه في الزواج منها ” كمراهق لم يعرف أبوه يربيه واشتغل بضيافة أهلها في البلدة التي كان يعمل عند عمدتها ” .

جودت لم يعرف النساء بعدها حتى التقى كوثر ، أشتغل برعاية أمه حتى ماتت والتي عانت تجلطاً أثقل جانبها الأيمن تماماً ، لمدة ثمان سنوات ثم رعاية أبيه ، الذي لم ترضَ امرأةً العناية به كأب زوج لن يستقل عن أبيه ، في حياة يومية لما قد تدهورت به حالته من “زهايمر” تبدا به بشكل مفاجئ جعل حالته تسوء تبعًا ، لعدم تعاطي الأب لدواء يسكت فم الهذيان والذكريات القديمة ، كانت وصية الأب له أن يتزوج ويكمل اهتمامه بابنه وتعليمه على أكمل وجه ، والذي به سيشق طريقًا واسعًا ومريح ، مات الأب وقرر ابنه الهجرة إلى المدينة مصطحباً ابنه ، اشترى البناية النائية عن التجمع السكاني القريب بما يجعل مبلغ الشراء أقل من مبنى استثماري وسط التجمع ، فهو لا يشترط الاستثمار والربح السريع بقدر ما هو يخطط لراحة يستجمها في بقية ما سيعيش من عمر . واقتراب ابنه مع جامعته كان أمراً مهم بالنسبة له ، التي كان يقطع لها مسافة المئتي كم ، من البلدة كل عطلة أسبوعية يقطعها للاطمئنان على جده وأبيه من ذلك السكن الطلابي الخاص ، كان انزعاج جودت وضجره من فترة لأخرى بسبب السكان الغير ملتزمين بالهدوء غير ما اعتاد ملاك البنايات الشكوى منه ، كتأخر الدفع الموسمي للإيجار أو المرواغة بإنقاص المبلغ لأمور التصليحات المستمرة ، كردة فعل للصخب الذي يعول عليه جودت في إحداث الخراب والتعطل ما دام الصوت والعربدة الطفولية التي يسمعها قائمة ، فلابد لأثر يقع نتيجة ذلك .

كوثر التي أحبها كريم كشعور جديد لم يُفسر منذ دخلت بيتهم كان يصفّ دائمًا مع كوثر التي تشبه فيه حبه للحياة وتجديد منابعها بخلاف جودت الذي يقف دائمًا في وجه المبالغة التي لا تخلف إلا استمتاعًا وقتي كما يقول والذي جعل من صبر كوثر أن ينفذ كأخر ما قد تهبه صامتةً وتذهب لشقتها التي ورثتها عن زوجها المتوفي منذ عشر أعوام ، إثر حادث مروع .

حيث قضتها وحيدة بين عملها في جمعية تطوعية تهتم بالأيتام وتوزيع الملابس المتبرع بها بعد غسلها وإعادة تهذيبها وتغليفها كقطع جديدة ،

إلى أن توقف دعم تلك الجهة من قبل السلطات التي رفضت التوزيع العشوائي وجعل في الأمر شبهة والتي ايقظ بعض المهتمين حساباتها في مناحي للأمن وجهاته ، للتمويه عن السبب الرئيس فيما قد يفسد ذلك منتجاتهم ذات الجودة المضروبة جعل من هذه الجمعيات منافسًا يجب دحضه عن طريقهم .

جاء عرض الزواج بعد ذلك متخمًا بالدعم من كل من هم حول جودت وكوثر من الجيران والأصدقاء والمعارف كشخصين عازبين يصلحان لبعضهما حسب مايراه كمالهم ازاء نقص العازبين ، مما جعل الطرفين يتقبلا الفكرة ويدعمانها بالقبول الغير مشروط .

لم يكن اتحاد كريم مع كوثر أمام جودت إلا فعل هو راضي عنه ، كي تغلبه آراء كوثر باطمئنان يوده ، فيكون لابنه فيها وجهة نظر أقل ما يقول عنها أنها رجالية ومن طرفه الذي هو من صلبه ، كي لا ينكسر له كبرياء أمام إصرار كوثر وصمت كريم إذا حدث ولَم يكونا متفقين ، فيشعر ببلاهة الأب واقتياد الزوجة وازدراء الذات .

موافقته على تغيير سيارته التي ارتبط بها روحيًا كان مما قد أملته عليه أرائهما المتحدة وبيع بيت والدته المهلهل ذَا الشراكة مع خاله والذي رفض التفريط به وابدا استعدادًا لشراء نصفه الآخر ، مما قد لا يجني بفائدة قط غير الوفاء الروحي ، وتشجير الممر وتغيير طلاء الجدران الذي لم يبلَ بعد .

إلى أن وصل الأمر إلى التدخل المباشر في طريقة اللبس وعادات الطعام واختيار العطور ، مما حدا بجودت إلى الانفجار في وجهها وطرد ذلك الكابوس الذي قلب حياته وشتت ذهنه بين ما يريد وما يجب عليه حيالهما كأبن وزوجة ، وما قد تورط به في رضوخ لتغيير جنوني ، تفلتت معايير الستين بينه والتي آمن بها يومًا يوماً أمام ما يرضي فتن التخيل لسيدة تحاول تعويض ما فاتها وابن مهووس بالتحضر .

غادر كريم إلى بيت رفيق له تعارفا في السكن الجامعي وكوثر إلى شقتها المغبرة ، وهو إلى وحدةٍ هو الآن على متنها في طائرة تقله ، يبعث من مقعدها ، الخاص به ” إلى عزيزتي : كوثر ..

هكذا كان يجب علي أن أفعل كي نستعيد دفء أنفسنا رغم أن البرد الذي قد يدخلها يومًا لا يمكنه أن يخرج منها أبداً ”

لطيفة هيف

لا أعرف الإيجابية التي يدعون في الكتابة … للأسف ، تلك التي تحت مطلبها ينهرون ما تكتب و يلقون به في وجه سوءك ، ربما نحن سيئون بقدر سوء الحزن فينا ، أو ربما بقدر كذبهم على أنفسهم ، أو ربما بقدر صراحة / وقاحة ، يتكلم الواقع بها إذ به مُعلقًا بكلتا يديه على حد تلك الشعرة الفاصلة في إبدائه رأيه على ألسنتنا .

أنا لا شأن لي ..

#لطيفة_هيف

وماذا بعد !؟

أصبح من الصعب كتابة نص يخلو من تعقيداتهم ، ياله من مأزق ، تتكسر له أسنان الأقلام ، تجف أحبارها ، الأمر أشبه بمجازفة أن أدلي بحديث تتطلع له أعينهم ، تومئ له عين الشك ذات الافتراء المُغض ، الموغل تنبؤه في عمق ما يحاك ويجعل منك الثقب المتهم بتمرير الرصاصة .

على حين غرة .. الرسائل التي تتدافع من فم الكلام لتلقي بجسدها على ظهر ريح تتخلل الأرض ومن عليها عدا المكتوبة له ، تتلمس المارين والمسكوت عنهم ، والجاحدين والغرباء ، ما بها الكلمات تعشق تيهنا فينا ولا تقصد بشكل صريح باب الخروج عن هذا العالم ، لتقف وترى معنا ما يجب الصمت عنه ؟

قديماً ، عندما كنّا أطفالاً نردد أغاني الحب التي نسمعها من الكبار وحتماً نعد الأبرياء أمام تكرارها العذب مهما كانت درجة الشغف التي تنشرح فيها الكلمات على لحن لانت حناجرنا فيه من غير فقه لمشاعره، بهذه الصورة تماماً ، كان خنجر الحبر في يدي أغرسه حيث أشاء عندما كنت أكتب سراً ، أمارس اللهو به أمام أعينهم وفي زواياٍ حشروا أنفسهم بها أمامي غير أنهم ما كانوا الناظرين لي تماماً ، إلى أن جئت أُلفة ورق مُعلن وكلام منتشر ودفئ عمر متكشف ، وتفاح بساتين لابد أن يوزع ، خبؤ السكر في لبه .

نهايات

كيف تعاليتَ بأمن النظرة الواسعة فيّ ولَم تتلاشى ؟

كيف عقدت على فم القبلة سمةً وضائة لا تنطفئ ؟

كيف تداركت وهم الكون في طَي شمسه ومن ثمة آمنت بيوم بالي ، كيف تجاوزت الكلمات وإعدادها الحي ، كيف صنعت من روائح العشق ريحا ، عصّفُ العطر بها مسألة حياة تثير غبرة الموت ، كيف لبتلات الوردة أن تنتهي بين يديك بالاختيار الأوجع بلا ذريعة تُرجع لماء الحب وجه ، كيف ، كيف ؟

#لطيفة_القحطاني

لم تكتمل حبراً بعد !

منذ العام المنصرم الذي تلوي الحيرة يده ، وأنا أحاول أن أكتب إليك بما يتناسب مع وعدي القديم وقدرتي الجديدة ، في إتمام رسالة تليق ببطولة الحلم في سياقٍ يكتبك دفعةً واحدة ، قدرة مستظلة ، تمثُّلٌ مُحايد ، تخرجُ من بين ترائبه رجل الكتب والكلام والنظرة الحية ، منذ ذلك الحين المتعب إلى أوان لم يبقَ بعدهُ لانتظار الفكرة في طرحك لحظة ترتيب أو هنيهة مهلة ، وبكل بساطةِ إمساكِ القلم وتحضيرُ الورقة وتناول نبضة تعشق المكاتبة ، ها أنت لا تأتي فيها على مقاس العبارة التي أودّ ، والتي يسمح لها الحرف في أن تكون أفانين إدلاء و جملةً حرة ، تشرد مابي من إرادة كتابة ، ها أنت تتكور في معنى لا يستجيب وقصة لا تُكتب ، تلك التي تتنفس وتشعر وتلتقط بجوارك صورةً ، لها أطراف أصابع تزيحك بهدوء خارج إطار هذا العالم المتجمّد في حلم ، علك تتكون من جديد ، رغم ما تحمله في كونك الذي قرأته دائماً في مبالغة (شوبنهاور) ، وتمرد (كافكا) ، وصلاح فتاة الخدر اليافعة .

إنك تأتي طبقة استقراطية لا تنبري لي إلا في الطرقات ، ولا تلوح لي بوجودها إلا في مواعيد منزلقة كتلك التي يتقطعها إطلاق الصافرة ، يالك من بُعد !

تُماهي في العمر شمساً مغادرة ! .

غيمة الحبر تُسقي ورقة الكتاب هذه المرة بغزارة ، وتسقط بشكل قائم ينعش بتلة الصباح التي كانت عين الشمس قد رعت في إشراقها تَفَتُّح اللغة وازدهارها حُلّه ، لتُكتب قصيدة خضراء ، مبنيةً للمجهول .

كان غض تلك النظرة في غناءها بمثابة أصيص قرر أن يكون منبتاً يضم أصل الشجرة ، ظلها مسافة المطر في ريّ عدم الإتيان ذاك ..!

الحقيقة الجافة هي ما يدبغ جلد الكلام في هذه الليلة ، ويضرم في الحسبان حسن تدوينه نثراً معبراً ، حكايةً لا أبطال لها ، لتكن الغيمةعلى سابق علمٍ بالإشراقة العجِلة .