” أهِلّةٌ ( فبراير)”

بذات الصبح ..

و بذات التصاعد ..

و التبخر و التبختر ..

و الهنيهة العائمة على صفحة الماء ..

القاطفة لأنفاس خيط يُمطر ..

العالقة بروح سحابة تذوب ..

على سبيل الهِبة ( سقيا الليالي ) ..

لبذرة في ندبة الحائط ..

تقارع فسحة النور ..

تخرج من جسدها الصغير ساحة نمو مبهرة ..

تقابل الضيق بوثب عطرها ..

منفس سُوَرٍ وتلصص من باب حياة .

إنها باقة عيد مهداة ..

إنها رقة التراكم ..

رجفة الفجر بين لونين ..

نضوج الوردة الأم ..

سهر المواسم المبذورة ..

عينا النافذة البعيدة ..

الشهب المشبعة بالليل العابر ..

القمر الذي يكمل حسن العتم بصفحه ..

و نور يكتب الرؤية بقلم سماء نازحة ..

على وجه الليل ذَا السن المحير والملامح القديمة .

إنها الأهلّة الوفية جداً بشهرك ( فبراير) ، حد شهقة التذكر الفاترة ..

التي ما تلبث إلا أن تقهقه ملء روحها المهرجة مابين مباغتة تاريخ وحلف نسيان قديم ..

إلى أن كان وصوله ذرف نُكات على مسرح أضلع في يده كراتُ مواعيد ملونة..

مهزوم افترا رها على عضد أدوار رحيل مضحكة ..

تهز الأشياء بذرفها صندوق احتفاظ أبيض ..

يُهضمُ فيها السر حق ألوانٍ واصبعين ..

إتيانك لا تشوبه محابر على صفحة اللغة ، إنها فقط ترسمك كما أنت ، تهيؤك كهيئة طير عادت له روحه ، فعاشها ، قتلها بدم حبر بارد .

بالون اقترافك النابض بلغ عنان الزرقة ، أتعلم ذلك ؟

أتسند إن استطعت لذلك نسياناً يجرؤ ؟!

رغم كل هذا كفارة الوجع هي من ستكلف الخدش ظِفر إصبعه المبرود وتنفصل التوسلات عن جب الابتهال بتلاشي هو لايليق بعناق الروح الواحدة .

لتركل بعد ذلك أغنية الوخز وترنيمة المضي الناسي ، خصر الروح الهاربة ،والتي فقدتْ ثقلها على كتفيّ عن قصد ، عن جرأة ، عن رقص ، عن انسلاخ متمرد ، كان لجناحي تحليقه كل السقوط يوم نوى الكلام شق صدر السماء وأزهاره ، كتابةً تنويك، تغفر للحزن من حسنه أنه مازال يهذر ، وأبت نوارسك إلا أن تسكن الأكواب و أركان المناضد ، وحقائب الخروج وصوت فيروز المباع في طرق الصباح كتحية عبور تروي شُح الأهِلّة .

لطيفة القحطاني

خريف

‏كانت تعرف أنه في الفصل الأخير من التذكّر ، أومأتْ ومضتْ تكمل معه درب النسيان إلى أن عادا طفلين وأم .

‏⁧‫#قصة_قصيرة_جدا‬⁩

‏⁧‫#لطيفة_القحطاني‬⁩

‏⁧

” الغرق استنجاداً بامرأة “

ما زلتُ أحاول أن لا أكون سخيفةً أمامك ، أن أنهض ، أقاوم ضؤل الطفلة فيّ ، أخلع عن جبين الحياة حاجةً ملحة تنظر إليك في صغرها كي تبدو الناضجة كامرأة ، كقول واضح ، كعلامة فارقة ، كحدس صائب ، رغم الصوت المتضاعف على لسان القفزة الأصغر ، رغم النداء العالق باسم الحلق الأضعف ، القدرة المسلوبة من ساقيها .

هكذا هو النظر للبعيد ، لعينيك ، للاشياء الخارقة عندما نؤمن بوجودها أمنيةً نقفُ عند بابها الذي نعلم أنه لم يكن ليُفتح إلا لشهقة قدرٍ يجد نفسه ، يتخلق ، يتكون ، يتواجد ، ينبت ، يتفتق سطراً ، واللقاء فيه بدفع التضرع خلف التضرع ، هذه أنا ‫لم استطع بكل بساطةٍ إلا أن أحبك ، بلغة الانتظار المبهمة ، بمعراج القراءة المصفّر ، بنية الوفاء المعمر ، بقدرة النبض اللإرادي ، إنها تصعد في إعوجاج النواحي بين إصبعين ، تلج مخارجاً تُلي على نواصيها تعاويذ تَقرُ بالديمومة ، اشتعال النبرة في صمتها نزوح كلم ترمش عينيه ، تتلمس يده قلبي من حيث لا يتكلم .‬

‫هيا قُدّ فيّ رجليّ القول الحافي .‬

‫نفثُ الصبر من عود المسافة يزيد اشتعال القصيدة في عثرها ، يغلق دفتيّ النسيم عن مراوغة المتنفس العجيب ، و شاء الصبح في شِّعره ، أن غيوم الدكانة هي ما تلفظه مسافة الريق من اشتهاء قبلة، و اجتراع حب ، رغم المطر / البرد ، أكاد لا أرى من النور غير انكساره على صدر السقوط الذي يهزُّ جذعك على صمتي ، فهل تصدق ؟‬

‫هل ترقص معي ولو قليلاً ؟‬

‫إن المواربة خلف نسيان لا يؤصد عن أخره باب ، يهبُ الاسئلة خلعاً في مكان الرجفة النابضة بين جنبين ، بين دأبين .‬

‫فكيف أنساك ، كيف لا ترتهن الروح لمن علمها الحب يوماً ؟‬

قد ينتبه أحدهم لجزيئاتك الطافية ، تلك التي حاولت جاهداً في تماسُكها أن تبدو حقاً صاحب صوت وإن كانت الخصلات البيض التي تعتلي رأس الجواب قد وهبتك وقار ما قد تشظى بغية كونك في كونك .

إني أشتاق من اسمي أن ينمو به نداءُ واحد ، كأن أوهم أذناي بسماعٍ يأتي من جهتك ، تقرع نعال الخُطى طريقه ، أنت كلهم حين حضرتَ وحدك .

تكونتَ رِهاناً تُغمضُ على رقته جَفْنُ السُحب مطرها، تبحثُ في الطفلة عن رحاب الرقص و حروف اسمِها وأنا التي توارتْ تبحث في البلل عن نعليها .

قصة : ” مسحةٌ بِـكُمّ الوجع “

تنهر عينيه بمجرد نظرة ، فيمتثل لصمتها في الحال، يخبرها بإيماءة تنبهٍ أنه لم يكن يشاء أن يراها و لو علم أنها ستسمعه لم يكن ليتحدث أصلاً ، يتجاهل الجهة التي كانت تنظر منها إليه، يتعمد إبقاءها خلف ظهره الذي يرسلهُ علامة حجب وردع غير مسؤولة، ويمد يده بعنف يلتقط بها دلو حسام من يده ليستطيع صنع سبب يستحق الركض له بعيداً عن ذلك المكان الذي يحطمه بقبضةِ وقوفها أمامه، والذي تنظر فيه أعين سهى إليه باشمئزاز طوال تلك الأشهر التي عقِبت الشتاء الذي كان في اعتباراتها أحن الأيام رغم قسوته، عرفت سهى أنور بعد عمله معها في خندقة ممر لمياه الأمطار التي اجتاحت دارهم فكان لابد من تصريف لفيضانها المندلق عن صفيح السقف الذي خرج ميله عن الحافة الخارجية للحائط ، مما حدا بأنور أن قصد الزاوية مخفضاً رأسه وأخذ يحفر بتوازن يستقيم له خندق جانبي ، فصنعاه معاً وأوصلاه بالممرات الخارجية الأكبر بما قد يشتبك مع مصارف أخرى للمياه وتسريبات المزاريب من بيوت أخرى مصطفة. كان لدى أنور بعض الخبرة فقد عمل في مساعدةٍ لرجال المخيم عندما قررت إدارته عمارة الغرف بحوائط حجرية أكثر صلابة من الخيام، لتتحمل صفق الرياح وبلل الأمطار ، فبادر بصمت لمساعدتها في ذلك اليوم عندما كان خرير الماء يَصْب صباً جهة مرقدها هي وإخوتها، منظرها وهي ترفع اللحاف المهم جداً ليلاً على حبل الغسيل خارجاً كي يجف أمام بيوت بُنيّتْ بنظام الصف الواحد كان منظر المستميت على ما تنوي رميه على حبل موثق يقطع الممر وسط نَهر الكبار بأن الحبل لن يتحمل ثم تكوّم اللحاف في آخر الأمر بثقله على جسمها الصغير، في وحل ما بين قدميها .دفعه هذا بكل حنو لإيجاد حلٍ كالحفر والبحث عن صفيحة زنك أوسع و تثبيتها بعمود خيمة أثقل ، وعجن الطين بالمطاط المذاب، لسد فتحاتِ ما يمكن أن يتسرب منه ماءُ هطول آخر بعد ذلك، أصبحت قيمة الحياة في عينا أنور هي عيشها بلا جوع ولا برد يمكنه أن يهز مضجع المؤمن بدفئ أن يبقى له حب في صدور الآخرين .

استحداث الكبار لِأوامرٍ جديدة، منها الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة في المخيم لقضاء الحاجة كان تكليفاً شاقاً خاصة على كبارالسن وصغاره، كانت سهى منهم والتي تقطع المسافة بشكل ممل برفقة أخيها الصغير فانعدام البنى التحتية أورث النزوح مضامينًا أشد بؤساً لما قد طال الأهالي من جروح وآلام وأمراض أفقدتهم الأمل في العودة والشدة في اتخاذ ما يمكن أن يحفظ ويحمي ما بقي، وذلك في وجه اجراءات حكومية متعسفة واضطهاد ومعارك واعتداء ميلشيات وجراء كل ذلك تحولت تلك المخيمات إلى سجون كبرى، ملاجئ تحاكي الأسى ، يُحرم فيها حتى دخول الأقارب ومساعداتهم لذويهم. لم يكن أنور اليتيم الفاقد أبويه فحسب ، عندما جاء مع جار لهم إلى المخيم، بل كان الطفل الذي لا ينطق إلا بصعوبة حمل الحروف على ظهر لسان أثكل، يزيده نطق الحرف تلعثماً كلما عجز في التعبير فتخرج كلماته بشكل مدوي بلا ملامح من فمه الذي يبدو أنه لا يعرف إلا النَهر والصراخ وأحايين كثيرة يفضّل الصمت الذي يرى فيه عبء الكلام أثقل وأفض بجانب سوء ما قد يريد قوله، يعمل حمّالاً للنساء اللآتي يحتجن من يساعدهن في الابتياع أو حمل ما يصنعنه في البيوت ويبعنه في الساحة الكبيرة ، هو يعمل لمن ستطعِمهُ وجبةً في ذلك اليوم والتي قد لا تُشبع ، لكنه بذلك يتقوت، يتخلص من فراغ الركض والمعِدة والمناورات التي يقمنها عليه صبية السُبل والممرات، بعدما حدا بمدير مدرسة المخيم عن منعه من دخول الفناء الذي كان يضم غُرفاً أحاطت بحدود مساحة حرة خُصصت لتلقي التعليم واستمرار الأطفال في التعلم و تطوير القدرات القرائية والكتابية ولو بأبسط المعطيات وأسهلها، منذ ذلك اليوم وكل الصبية أيقن أن أنور بلا سند ولا يستطيع الدفاع حتى عن نفسه ، شراسةُ سُهى معه محيرة للأطفال والتي ظهرت مؤخراً هو ينتفض لمجرد لمحها، يغافل في الموقف وجودها ويذهب سريعًا، سهى كانت الأم التي لم تلد ولم تصل بعد لسن التكليف ، تدرعت منذ ألقى بها عمها في ذلك المخيم فهي الراعية الأولى والأخيرة لإخوتها ما أن أحضرهم إلا وذهب مأموراً في مهمةٍ غيبته بعد وعدّهِ لها بالعودة والهرب بهم بعيداً ، جمع أنور بسهى دارٌ حجرية خصصت لفاقدي الأبوين ، كان يصغرها بسنتين تقريباً ، كان يتكور في كنزة صوفية من أثر البرد والذي لم يكن يمتلك معها ضده إلا بنطالاً بلون كتاني يخبر باتساخه، كنزته التي انسل من جانبها الأيمن خيطٌ فُتح له فماً يتسع مع كل حركة يشتد فيها طرفها الحائر وكانت سهى في ذلك البرد القارص تلمحه وتجمع إخوتها في ركنها الأقصى، تضمهم في لحافهم الخشن، تجعل منه في ذلك الصقيع ادفئ مكان وأنعم وثير قد يجمعهم، رغم بلل البسط المنتشرة في المرقد الذي لا يجف، والتي قد ذابت ألوان زهرياتها ما بين بلي واضمحلال أقرب لتلاشي من مجرد تحريكها حيث تتبلل و تجف في نفس الامتداد بلا عون يكفل لها التهوية، كان في أخر قطعة امتدت من تلك الفُرش المتطابقة بلا اتفاق يقبع مكان لأنور ينام به، يجاوره كاظم وحسام وعلاء وأخت لعلاء تدعى فاطمة، نظرت له سهى وقررت رقع كنزته، طلبتْ ذلك منه نهاراً فقد تُطيل عليه ويبقى بذلك عرضةً للبرد، خلعها ظهراً وانتظرها واجفاً حتى انتهت، رآها أمه التي غرقت في دمائها أمامه لكنه لم يستطع حتى اخافتها بدمدمته الكلامية ليخبرها بذلك، صمت ممتناً بفرحة ارتسمت على ملامحه كلما رآها، يُجددها لها كلما لاحا بلقاء تتصادف فيه الأعين والنبضات، عرفتْ مؤخراً أنه لا يجيد الكلام لظنها قبلاً أنه لا ينطق البته وذلك بعد ما صُعقتْ من طريقته المخيفة وهجومه الغير مبرر على كاظم الذي مُنع مؤخراً من قسم الأطفال وحُوّل إلى حجرات للبالغين، مكثت سهى كثيراً واقفة حتى بعد انفضاض الحدث، فهمتْ أن كاظم سبب أَذىً لأنور لم تفهم كنهه، اقتربت منه وسألته، كان ما يؤرقها هو كيف تحذَر على إخوتها منه .

– ماذا حدث ؟

– (أشار بيده بدفعةٍ شديدة يوضح من خلالها أنه كاظم من اعتدى)، كانت كنزته قد انفتح لها فماً أوسع في مكان آخر، مما قد رتقته له في المرة السابقة، ودوى بنبرات مختلفة كان يتقي فيها عدم انزعاجها لبهيمية فصحه، ثم صمت ، مقطباً حاجبيه ومضى مبلل بطريقة تثير الشك.

كاظم كان من الثمانية عشر القانطين في حجرة سهى كان من الجانب الأيسر الذي لا تختلط بهم هو وأنور كذلك فقد كانت تتجنب الصبية كلهم إلا من هم في سن إخوتها ممن تعمل في حياكة الصوف بينهم، حياكة تساعد بها جارة الدار، التي تُنقدها مقابل ذلك ديناراً كاملاً. في أوائل الصيف نُقل أنور من قِبل إدارة الدار أيضاً إلى قسم البالغين، و اصبح الشرب من الحوضيات أكثر من ذي قبل فهو المنقذ من قيظ النهار الملتهب، بدل الدلاء التي كانت تُملأ من آبار قديمة قريبة سرعان ما نضبت، أو الوقوف في طابور طويل أمام حنفيات مربوطة بشبكة مياه صالحة للشرب بتنقية الترسيب ومعالجة الكلور، تبِع ذلك العطش مراقبةٌ كانت سهى لا تتركها لأنور في كل خروج تذهب فيه لجلب الماء للدار، وخلال الوقت الذي تقضيه بجله خارج الحجرات التي لا يُطاق حرها، ونتانة ما تجف عليه محتوياتها بعد تسريب أسقفها، كانت تفتح عينيها لتفسر اسئلةٍ تلحق بصمت أنور وتهربه منها، لاحظت تجنبه لكاظم، لا يحاول الاحتكاك به، رغم تحرش كاظم الاستفزازي له من وقت لآخر، إلى حين ظهيرة خرجتْ فيها سهى تجفف حذائها بتمديده في أوار شمس بعد معركة حصلت منها على قطعة ثلج كان مكتب المساعدات قد عمل على توزيع عينات منها فاستطاعت الحصول على شظية بعد أن سقطت القطعة جراء خصام عليها، فقبضت على أكبر جزء و ركضت به بعد أن ثنّت قماش تنورتها عليها و ركضت به لحافظة الدار، همسُ الحوار الخفي الذي كان قد شد انتباهها قبل دخولها الدار أعادها له بكل حذر، كانت عيناها تلمعان وفمها مشدوه، تحاول أن لا يخبرش تنفسها صفاء إصغائها لما هو بينها وبين الوشوشة، تقدمت فكان كاظم وأنور وبين أيديهم مغلفات متشابهة، كانا قد سطا على سكن موظفي منظمة للمساعدات الصحية وقت نفورهم لولادة متعسرة في أطراف المخيم، ادركت أنهما الهامسين المختلفان على من يأخذ الدولارات أو مغلفات الأطعمة الجاهزة للأكل بعد غليها، فالدولارات ستكشف أمرهم، تبادرَ لفهم سهى كل شيء وتقدمتْ .

– “أنا من ستذهب بها إلى مكتب الصرافة “، كانت تعرف القائم عليها هناك والذي كان حارساً لمتحف سُرق كل ما به “لكن بشرط أنا شريكة العملية القادمة بالمناصفة …”

اكتوبر2017

سلام لقلبك ..

في قعر ذلك السؤال الذي ملأت الحيرة كأسه ، لا شيء يحرض على الكتابة مثل تلك الاشياء التي لم يَعُد في أيدينا إلا اشتمام مآثرها ، اشياءٌ ضائعة لازالت عالقةٌ بها أرواحنا ، مثل ذلك الطريق الذي تعجز إلا أن تكون على رصيفه ، أو ذلك الحب الذي تكون على وفائه ورغم ذلك أنت خارجٌ عن مدراته ، أو ذلك الوقت الذي افلتك في حضن انتظاره الـمُخز .

ستكون وديعاً جداً هذه المرة !  

ستتحدث للفراغ استعداداً للقائي !

ستكوي ياقتك بعناية الرجل المثقف !

و تتغنى ب القصيدة و أنت تنظر لعيني !

كن ، كن فلا زلتُ أنوي أن أرسمك في لوحة لا تخرج منها إلا لي ، تعود بك خطوطها في غيابي إلى طبيعة صامتة ، فِقهٌ ، ظلهُ هو نور ما بيننا ، بصفة لا يشعر بجهته إلا ما قد أخبرتك به وشوشة ً ، هل تذكر كم كان عمر الضحك وقتها ، عندما قلت لي : ( أحبك أكثر من عينيّ ) و كانت حجتي في العتب أن لك أن تعيش بلا نور ، لم تكن اختياراتك موفقة حينها ، لم تكن قد أغلقت إطار الصورة التي تجمعنا و لا الورقة التي تحمل اسمينا ، كنصفين لشيء واحد ،لازال الخط الفاصل الذي إمتد به حبره غير قاصد في بصق ما قد يرسم الطريق اثنان ، يملي رسالة لا تعنيني في ذيل ما قد وقِّعت به رجلٌ خائف و حزين .

كنت اطمح أن تحبّني أكثر من الوفاء و أقل من الوصل بجرح ، و ملل ، خسائر الأمور في جدواها داخلنا كبيرة ذات هيبة ، و فيما تستطيعه سبراً و صمّتَاً .

إننا نرمم سواقيها يا عزيزي بغَرفةِ ما يروي ، كي تكون الخطوة القادمة أجدى في حساب ما قد يُكتب ، و يُحقق إشارة صائبة ، خفقة في وجه النور ، و سلام في ما ستعرضه المنضدة . 

قصة : “وثب على فوهة ” 

‏ترمقني أمي من بعيد ، ثم تومئ كمسترضية ترى مدى استجابتي ، ورضاي عما تقول  بعد حديث طويل صبت أطرافه في أُذنيّ قاطعةً به طريقي الذي اترنح فيه قاصدة جهة الحمّام ، توقفتُ للإنصات وأطالتْ ، تراجعتُ  حينها راميةً بثقلي في اتكائةٍ خفيفة كانت على الحائط الناتئ الذي  يفصل الصالة عن جهة بها حوض لغسل الأيادي وُضعت خارجاً ، ثانيةً ساعديّ كعلامة انتظار ، ثم تسألتُ و أنا أغسل وجهي بعد ذلك  مالذي حصل وما بالها ؟ أ تحبّني كما تدعي وترغب في تزويجي بهذا الطريقة الساخرة ! ، يبدو أنها واثقة من قرارها هذه المرة .

‏- “فكري بروية ، قد لا تتكرر هذه الفرصة ” تستطرد قائلة ما تود فرضه برجاء على نبرة عالية ، رفعت من حدتها فجئة .

‏- ” قد تكون العجلة هي وحدها ما يعزز انتهاز الفرص ، فلا توصيني بالروية ، لكن هل حقاً اِعتبرته عريساً مناسباً ؟ ” ( كان ردي بصوت جاف خفيض تمنيت لو أن لم يسمعه أحد .

‏- ” الكمال لله ”

‏- ” و لستُ المخولة بالرضى عن الناقصين من أجل أن لا تفوت الفرصة ” قلتها متثاقلة في خُطى تقطع الصالة و أصبعي تشير لعينيها بحركة ثقيلة تخبرها أن الأمر لا يهم .

‏ها أنا أعود لمسودتي هنا بعد أن قررت الابتعاد عنها و حفظ لسان البوح عن مكاشفات الليل و الوحدة الموحشة ، أنظر من نافذة زرقاء لعالم أحببته زماناً طويلاً – بين الحنايا شيء يتحرك ، أظنه الحنين للصراخ ، لصوت القلم الصداح في ملكوت ما يصغى له ، أنها الكلمات عندما تمطر على بعد عزلة و هدوئين – يلف لي فيها متكأ الزاوية الذي أحتضن دوماً لوح الحروف فيه و أكتب بلا حيثيات و لا إعداد ، أكتب بعفوية ما تمليه عليّ غربة روحي و رغبة الخلاص مني أحياناً والتي وقتها يكون العالم أغلق أبوابه عني و تُركتُ حرة هدوء بين مجرات و جرائر لا يرى خدوشها إلا خدي و من ثمت قلم يهبني استشفاف على رف من السطر ، ترتطم في أخر الأمر ناصيته بحافة الندم الذي أشتم في كل مرة منظر المهرج الذي يظهر لي بألوان قزحية ماتت في بلادة ابتسامته رائحةُ عطري .

‏الحديقة بكلها فاحت من نافذة الورق ، و كل إلتفاتاته أودت بوسع الجهات و برد الاتجاهات ، ها أنا أنظر إلى عالم مختلف ، لم تكن أمي التي لا تقرأ و لا تكتب أن أخبرتني عنه ، أو شمله تحذيرها الذي طوى الكون في جريدة تحت ذراع خوفها علي و إبقائي في الثنايا ، درتها المكنونة في مكان لا يكشفه أحد غير حبها الذي لا تدرك منه إلا بقائي أمام عينيها .

‏لا تعلم أني مثلاً الآن أمارس كتابةً عنها أمام العالم ، أخرج فيه عن حدود وصاياها في أن أكتم سري ، ها أنا أتمرد كما لو علمت عن ذلك لحدث أمراً جلل ، ربما أمتن لزمن كان فيه تعليم الإناث فكرةً تجلب العار و لا فائدة تذكر خلفه غير اِهدار وقت مهم تقضية الفتاة عادة في مساعدة عائلتها في أعمال هي تقوّتٌ أساسي يدعم عيش الأسرة على خط حياة لا ترجو الرفاهية ، فكم كانت توسوس لي فكرة العصيان تزامناً مع خوف أمي من تمردي والذي تضرب به على أطراف حياتي يوم أن ارسلتني للجامعة و رفع الصوت مهزوم داخلي ، لا يساعدني حتى على اِسماع استاذي همس الإجابة النموذجية التي تتزاحم في خلدي بعد طرح أسئلته  التافهة التي يمهد بها لدرس جديد و الذي قرأت عنه مسبقاً ، هل حقاً ينمو عِداءٌ بيننا و بين ما حُرمنا منه يوماً ، أم أن المسألة إرث وصاياً فقط ، لم تشأ أمي أن أعوضها عن حرمانها و لم تبحث لي عن نقطة ضوء باب النفق بل كللت الظلمة برجفة وهبتها لي من قبضة يديها على يدي التي إلتصقت بصدر نبضها إثر فاجئني باحتضانه و أفزع فيّ ترقب النور .

‏بصيص ما قد تفرزه حاسة سادسة في حسابات أمي هو صبح زوجٍ تَعقِدُ يدي على ذراعه و تزفني خلاصاً من الهمّ ، لا تأمن أمي بـ همّ البنات الذي للممات ، لإعدادها بناتًا تثق بعدم قدرتهن على السير في الظلمة لوحدهن ، إعتدنّ مدّ أيديهن برقة الخضوع لدفء الأذرع و إن كانت كفوفها جلاميد ، أنوثة السير الطويل تحتم ظلًا و إن كان بائس الحمية ، يا لي الموروث الذي أرفض الانصياع له ، ها أنا أُنهي عامي الأربعين بلا أحلام مرسومة على لوح حياتي غير محاربة الأيدي و توجس الطريق بكل أناملي و أنفي و الجثو المتفرس في فضاءات لا تنبئ بنهار متصالح مع بحثي .

‏صوت القهقهة العالية الذي اسمع يزيد إصراري على الدوران للبحث بعد كل خطوة و بحاسة مفزوعة ، يعزز في الفراغ نقاطاً سرعان ما تتلاشى ، تفقد قيمة ومضها بمجرد تحديقي المتفحص لجهتها المتهمة و لذبنها الذي لم يقترف بعد .

‏آخر معقل لقطار ربما يمر بي بعد هذه العمر هو خليل بائع الكلام كما يسميه أهل الحي ، شاعر يبيع أبياته لمن يدفع أكثر ، يالي النور الذي بصق في وجه الحظ هذه المرة ، سيكون ظلاً شفافاً أضحك فيه على طول المسافة التي قطعت و أنا في تروي ، كان لقائه بأمي الليلة الماضية على ناصية شارعنا حكاية تخبرني بِمنّهِ يوم أن عرض على أمي عرضه المغري و طلب يد ابنتها العانس .

‏يداي قُطعتْ منذ زمن مات فيه صوتي و لا زالوا لا يرونها ، ينكرون تعثرهم بذراعيّ الملقاة أمامهم كل مرة و يمضون يهللون ، قررتُ و بجدية رفع الجدران بأن أبني لي علىأرض المحطة صرح يكتب ما لا يرونه و لن أغادر لضوء لا يستحق تتبعي .

قصة : “نبرة حب غائم “

” على سبيل أني نسيتك و أن خطة الزمن نجحتْ معي وأن ما خلف الموت قد يأتي بحياة أُخرى ذات تطلع، ها أنا أتجنب الحديث عنك على مناضدهم، بين شكاياتهم وتذمرهم، أحقق كذبةً كبرى تُرجئك في فراغ النظرة الشاخصة التي في بهوها ذاكرةً أقوى، ومن سوء حظ دعمهم أنهم في كل مرة يتفقون فيها على نزهةٍ تواري معالمك يقعون في مصيدة لازال لرائحة كفك بها عطر (التو) النافذ صريره عبر هدوء تمنحه لي الأمكنة “.

كانت تلك الكلمات مدونة في أخر ورقة من دفترها الملقى على أريكة في أقصى زاويةٍ من حجرتها والمقابلة بذلك لفرجة الباب، سريرها الموحش، خزائنها الخالية، فراغ الحجرة منذ أيام يدعو لنشر أمنية عودتها سريعاً بين جنبات صمت يوخز ويبتسم لذكراها المخطوفة ما بين أُنسِ تخرّجها وحزن كل ما تركته خلفها.

لم أنم بما يشبع رجل عاشق منذ رحيلها، فكل مسافة ما استغرقنيه على الوسادة كان غفوات حمقاء، دوران رحى القلق تحت عينين مغمضتين يضج مضجعي. حاربتُ السهر من خلال ذلك المشهد البارد الذي استسلمتُ له بعد أن طوفتُ مُشتماً أشياء ورود والتي تركتْها متعمدةً كنقمة لذكريات تتخلص منها فتكتمني وكأنها بذلك تَعِدُّ مؤامرةً عليّ، تخلع من خلالها معطفٌ كثّ في صيف رهيب، حمّلها إياه الآخرون وكان جدير بها أن تورثه لشقي مثلي بعدها، اشتقتُ لها بما لم يكن في حسبان قلبي، نوبة الصرع التي كانت تنتابها أمام عيني أيضاً اشتقتها، اشتقت لرجفة كنت اخشى حفيفها بل أرتعبه وأقسم بصمتي أن أتجاهل ندائها في المرة القادمة، عندما تشعر بدوار يصعق عالمها بما يشبه السواد والأخذة الرابية ، ( كان الأولى بكِ أن تطببي نفسكِ من ذلك الداء اللعين و تدعي عنك دراسة الفلسفة و علاقتها بقوانين النفس الانسانية ، إن ذلك أشرف ) كانت تخالجني رغبة ساحقة في لفظها لها كي تكف عن مناداتي في ذلك الظرف القاسي الذي تُحكم فيه أصابع صوتها على خاصرة قلبي وقت صرعة عصرها، تصحو بعدها ، لتنكفى على حسرتها و أنا أخرج بصمت كمن أُعِدتْ له كامل كفه بعد رضة كادت تفقده طرفها ، ثم سحقاً لامرأة تكتب لرجل أمام رجل أحبها ، تمرض أمامه، تسقط مغشياً عليها ، ليرتجف عالمه الجميل بين يديه، برد مسألة . هذا بحد ذاته تزمت إنساني بالخطيئة في حق مشاعر أخرى مصابة ، تنفُسها المتسارع وعضّها المتشنج أيضاً يُرغي من فم القلب ما يُخجّله بعد انفعال النجدة نبضاً مجنوناً.

سماعاتها التي كنت استعيرها كي احتفل مع أنس بعيد ميلاده طوال الثلاثة أعوام كانت تلفّها لي في ورق جريدة عانقها شريطُ ساتان أحمر أعرف أنه رباط بجامتها، نداؤها لاسمي بالشكل الذي يضيع منه راءهُ ليكون ما بين لثغة مهضومة ونبرة مغناة كان أيضًا جنون ارتباط، تُجمّل ما يحدث بيننا بأبسط الأمور المثيرة ، تعد قهوتها في ساعةٍ مبكرةٍ تثير حافظة أنفي التي ماتزال بين الوسائد و الحلم، تقنع النهار أنه بلقائها أجمل فتنهض حواسي و خطواتي الثقيلة بدفع مشتهى، أخرج من أجله للممر كي أصادف خروجها الباكر فبعدها لن أراها إلا متشنجة أو إلى صدفة صباح آخر ألتزم فيها بتباعد المباغتة في ذلك الممر و صناعة روتين يتعلق بجدولٍ اسبوعي أصنعه حسب حاجتي للقاءها وخروجي للجامعة بما يناسبني خاصة أن دراستي في مجال تبعد هي عن معرفة تفاصيله مما يخص الدراسات العليا التي تتيح بعض الحرية في أن أكذب كما يحلو لي. ويحلو للصدف أن تُخلْق، وللكلام أن يُنشأ، والعين أن تُبصر والقلب أن يشرب، تركُها للسكن الليلة قبل الماضية وعودتها لقريتها بين جبال أوكايمدن من غير وداع يُخبر المفاصل أن برد الأيام القادمة شديد وأن العمر الذي أخذته بشبابه واهنٌ ما بعده من أيام، أخذتُ دفترها الذي اعتقد أنها لم تنساه وكوب القهوة الأبيض وشمعة لها كانت تضعها على الأرض لضخامتها، والتي كانت تشعلها في المناسبات فقط، ابتاعتها في ذلك الصيف الذي لم تعد فيه لبلدها .

أذكر أني عدت بعد تلك الإجازة الطويلة في ليلة خريفية باردة كانت فيها تحتفل مع زميلات لها في باحة حجرتها الصغيرة والتي كانت تدمدم من صخب ما تفجره سماعتها التي في حجم القبضة من صوت ، مما أثار السيدة زينب وعائلتها التي كانت تفضل الطلبة المتفوقين في دراستهم ، فتُأجر بناءً على المعدل الأخير وشهادة السلوك الموقعة من قبل مسؤول تثق برأيه في الجامعة، بل وتقدم لهم إزاء ذلك بعض الخدمات الأخرى البسيطة مجاناً ، تقول المجتهد الذي جاء ليتفوق هو بالأحرى نظيف ومتعاون ولن يُثقل كاهلها برائحة عفنة تنبعث في البيت.

وقتها وأثناء صعودي صادفت السيدة وهي تصعد الدرج على مهل وتغمغم ( ورود جُنت ) ، حييتها بإبتسامة المشتاق متجاوزاً إياها و دندنة مفاتيحي أكاد لا أسمعها وهي في يدي من علو صوت الأغاني الراقصة في حجرة ورود، كنتُ في عجلة من أمري كي ألتقط ما بحوزة درج لي كنت أضع به بعض الأوراق النقدية من العملة الاسبانية حيث لم أتمكن من صِرافة شيء منها كأوراق تسد حاجة وصولي المتأخر حينها، هبطتُ مسرعاً والسيدة زينب في وقفتها أمام غرفة ورود تطرق الباب بأدب الـمتأذي الصابر ، كان السائق قد وضع حقيبتي الأخرى عند باب البيت ومضى يشكر زوج السيدة زينب ، امتنيت لذلك و دفعة الأجرة له .

هممت بكلتا يدي على أطراف الحقيبة و رفعتها إلى أن استقرت على راسي بشكل مستوي و اعتليت السلم صعوداً، وقتها انقطع الصوت، استقرت عيناي على ورود كانت في الممر الذي ينصفه انزلاق الدرجات للأسفل، والذي كانت حجرتينا بمثابة جناحين له يجمعها ممر فتحاته تتمثل في بابي الحجرتين و نزلةُ الدرجات ،لمحتني، ابتسمتْ و قطعتْ الممر إليّ حيتني سارقةً بذلك كل شيء، ( انزل الحقيبة ) قالتها و ثغرها يختصر ابتسامة العالم بين كلمتين، تراجعت لنفسي والتصقتْ هي في ذهني وكل خيالاتي.

كانت وقتها حجرتي تعرفني منذ السنتين و هي منذ السنة تقريباً، كانت قد طرقت عليّ خلالها الباب مرة واحدة وطلبت مني أن أساعدها في تغيير مصباح السقف الذي يعلو كثيراً، وأثناء ذلك حدث ارتطام قوي بعد صرخات متقطعة كانت استنجاداتٌ فسرتُها لاحقًا، لتظهر مغشياً عليها تعاني الرجفة والصمت القاتل، ومنذ ذلك الوقت رأفة قلبي بها تستجيب لتلك الصرخات واعتادتْ هي ترك باب حجرتها بلا قفل ، في كل مرة أراها يتكرر شيء لم أفسر كنهه ، قبضَ على إحساسي بها بكل عواطفه ، و هاهي رحلتْ ، رحلت كي تلقن الحب درساً آخراً في الوفاء .

ورود عندما توحدت في هذه الحجرة كانت من أجل أن تحافظ على ذاكرة رجل في حياتها، كانت تحب أحمقاً تركها في درب شائك كل التخلي كان متاهته. تسللت من بين طالبات السكن الجماعي كي تبر الحب بشكل يناسبها و يحرر الألم رجفات تأكل منها بهدوء .

( لم تشأ أن تودعك ، فقط أوصتْ أن لك ما تشأ من حاجيات حجرتها، وذهبتْ ،لقد أنهتْ دراستها ) قالتها السيدة زينب بعد عودتي مساءً، دخلت الحجرة بعد أن تركت لنفسي فرصة التصديق أنها رحلتْ ، و ها أنا أجرح ذاكرتي بتقليب ألمي بها غيبياً ،وأثبت فكرة غيابها وما قد إلتصق بي.

( عذوبة مترعة بالكذب )

بحق ما انْبَنى بيننا من حب كانت يقظته يوماً ما هو كونك أنت الذي تشكّل كي أُحبّه ، أين من أعرفه منك و الذي ذهب و أبقى غيرك بك ، من أنت الآن ؟ 

كيف تمضي بين الناس ، هل حقاً كما قلت ( أنا أنا لم أتغير ؟)

من تغير إذن ، هل الحب يعرف التَّشكُّل حسب المواسم و تقلب الفصول ؟

هل حقاً أحاطتني الأوهام كما تدعي و اصبح من الواجب استخدام ( السبرالكس) .

هل حقاً كما وعدتني مع كل قرص ستعود هالة الكون تبتسم في ملامحك و نعود كما كنا ، لكن اخبرني كم سيستمر ذلك اصطناعياً، دوائياً ، قصة مخاتلة دمغة ، هل ( السبرالكس ) يعرفك أكثر مني ؟ 

لم أعد في حاجة وعدك المرتبط بأقراصٍ يقذفها نرد الأيام على طاولة نزقة ، عدد الحظ بها مغادرةً كاملة ، شبح الغيمة بعد تناولها يخفيّك و يشد وثاقي خلف ظهر من الانتظار ، في ركن المقهى العمري للغياب . متى تأتي ؟

كف ، فحقاً مللت لعبتك تلك ، و لم أعد في حاجة ملامحٍ لا أعرف منها ، إلا ما اعتادت السنين أن تزيفه على كتف عشرها الماضية من الاختباء و التلفيق و عمر من حديثك الفضفاض على أذنينٍ طالت على مسامعهما هدير الأغنية .

أخبرتني يوم الخسارة العظمى أنك ( لست بخائن ) و أن الرائحة النسائية العالقة في كم المعطف ما هي إلا إلتصاق غير مقصود بـ باقة زنابق تأتي لموظف معتوه ، و تظنه ( معشوق ) قلتها فاركاً ذقنك ، مقرراً متابعة الموضوع .

أنت لست أنت حتى ببطاقة الزنابق الموقعة باسم المعتوه ، أنت النسخة الأبعد عنك يوم كان المعتوه محتاطاً باسمٍ مستعار . 
بقلم / لطيفة القحطاني

ما قبل الرحيل

طوتْ الرسالة و على ظهر المظروف كتبتْ ( إلى أَذى طريقي و أدنى شعبة من إيمان )

كتبتْ له بتخاتلٍ ذا اشتياق ( و أَعْلَمُ أني في أبعد بقعةٍ من روحك سأقبع و لو بعد حين ، إلا أني سأُنادي النقاط كي تنتهي بك و يلتوي على نفسه الدرب الأخير، يمتطي استدارة العودة نافضاً عن ذراعه العنوان البعيد، ماضياً في تجاوزك ، في قذف أَذى الطريق بخذاء نسيان يليق ، تُعامل حجرك المدبب بما يحقق الصدقة لي و الإماطة لك ، فقد تخلصت من ورق قديم بدأ يملأ جيوب أدراجي ، و صندوق خباياي ، و نبض وجه في سماء أن أكون ، لن أحتفظ من رسائلك بعد اليوم إلا بتلك التي قلت لي فيها يوماً بائساً أنك تحبّني ، هذه سأحرقها على مهل في منفضة تجاورني ، سأُشعل قداحة الشتم من فمي أولاً ثم أرنو في متكأ على المنضدة ، أريح فيه رأسي و نظرة عيناي المحدقة ، أنا و لهبٌ يأكل الحب ، و في الحركة المتأنية سينتهي بالورقة ذروَ نفخةٍ متأسفة يخلفها بصق قلوب قررتْ ألا تلتفت ثانيةً للخلف .
اغتراب ما بين الوطنين هو قطعُ ما بين الضفتين ، و السير بقدمٍ واحدةٍ تحت ساقِ طريقٍ طويل آن ذاك كان وحيداً عابراً حرج البلاد ، يتمايز بأرصفةٍ تتشقق لها أسماء الأطفال ، و البدايات ، وزنابق الموعد المؤجل ، رياح النداء الذي جاء من فم المواسم العتيقة ، يتلو فقدك المبجل ، القارئةُ له خطوط كف الرحيل ، رغم أنك في الغياب تقضم طرف نسيانٍ لذيذ ، جوقة الحديث فيه صمّها مرُّ عجلةِ القطف التي أتت على جوعٍ فضوله أنت ثمر، متى للجسر في تدليته أن يحاكم الريح ، يقاضي هزتها الـمُسقطة ، و يناول رجليّ الحديث في عبورك حكايةً لا تبلى .
بتلات الدفتر في صباح العمر غالباً ندية، حبرها بارد ، عطرها مُسجى ، قطفها معضلة، الورد لا يحب قاتله،وقطفهُ كفيل بإهدائه عمرٌ ذابل، كمن يهبُ عمر الرياح مسافة سفر السفينة .

نُزل ..

‫بتلات الدفتر في صباح العمر غالباً ندية، حبرها بارد،عطرها مُسجى،قطفها معضلة، الورد لا يحب قاتله، وقطفهُ كفيل بإهدائه حياة ذابلة، كمن يهبُ عمر الرياح ، مسافة سفر السفينة.‬
‫⁧‫#لطيفة_القحطاني‬⁩ ‬